“سأسلِّم لبنان أفضل مما استلمته”. عبارة قالها رئيس الجمهورية ميشال عون العام 2020. ولعلَّها تختصر كل مسيرته السياسية منذ ترؤسه الحكومة العسكرية العام 1988، وحتى نهاية عهده كالرئيس 13 للجمهورية اللبنانية.
مسيرة عون لطالما ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بالخطابات الرنانة والوعود الكبيرة، واصطدمت دائماً وأبداً بحائط النكران والخيبات. أخصامه يتَّهمونه بالشعبوية، فيما يتذرَّع وأزلامه بعبارة “ما خلّونا” ويردُّون عهد “جهنم” إلى هذه النظرية. والواقع أن أداء عون لطالما اختلف عن خطابه الذي تغيَّر وفقاً لكلّ مرحلة وأبطالها.
بالعودة إلى العام 1988، خلال رئاسته للحكومة العسكرية، ركَّز عون بأكثر من خطاب ومناسبة، على أنه “لن يفعل شيئاً في مسيرته السياسية إلا وفقاً لإرادة الشعب”. الشعب نفسه صرخ العام 2019 في ثورة تاريخية، مطالباً باستقالة عون وصهره رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل. لكن “على من تقرأ مزاميرك يا داود”؟ أدار عون أذنه الطرشاء ونسي إرادة الشعب منفِّذاً إرادته ورغبته الجامحة الدائمة، مذ كان فتيّاً، بالحكم.
كونه رئيساً للحكومة العسكرية يومها، نصَّب نفسه رمزاً أخيراً للشرعية والسيادة في لبنان، وطالب بإخراج القوات السورية. وبقبّعته العسكرية وخطاباته الوطنية اكتسب شعبية كبيرة، وعارض اتفاق الطائف، متَّهماً كلّ من وافق عليه بالخيانة والخضوع للإملاءات السورية. لكن فور عودته إلى لبنان، تحالف عون مع حليف سوريا الأول، حزب الله، موقِّعاً اتفاق مار مخايل الذي أثار بلبلة كبيرة في صفوف العونيين، الذين لم يفهموا كيفية الانتقال من حالة العداء إلى الولاء.
وفي أيلول العام 2003، قال عون للنواب الأميركيين في الكونغرس الأميركي، “أي لبناني يتجرأ على التعرُّض أو مقاومة الھيمنة السورية تتمُّ تصفيته، ولا يمكن فصل النظام السوري عن الإرهاب”. حينها، سُوِّق لعون بأنه كان أحد أركان القرار رقم 1559 الصادر عن مجلس الأمن الدولي العام 2004، والذي نصَّ على ضمان “انسحاب جميع القوات غير اللبنانية من لبنان، وحلِّ جميع الميليشيات اللبنانية ونزع سلاحها”. وفي عهده، شكَّل أداء عون غطاء مسيحياً لحزب الله وأذرعه العسكرية، المصنّف “منظمة إرهابية” من قبل المجتمع الدولي.
بعد عودته إلى لبنان العام 2005، فاز عون في الانتخابات التشريعية من خلال خطاباته المندِّدة بالفساد والداعية للإصلاح السياسي، وسمَّى تكتُّله آنذاك “التغيير والإصلاح”، أما التطبيق كان كارثياً، خصوصاً بعد استلامه الحكم العام 2016. فعلى الرغم من أن الفراغ كان المتحكِّم الأكبر في عهده، استحوذ وأزلامه على المراكز المهمة والدسمة بالأموال، وعلى رأسها وزارتا الطاقة والاتصالات.
العام 2008، كان التيار الوطني الحر، وعلى رأسه ميشال عون، من أوائل الذين طالبوا بفصل النيابة عن الوزارة، لتأتي عبارة “لعيون صهري” لاحقاً وتقضي على هذه النظرية، بعد عرقلة دامت أشهراً لتنصيب النائب جبران باسيل وزيراً في الحكومة”.
وبعدما عارض عون قبل وصوله إلى بعبدا، حصول رئيس الجمهورية على حصّة في الحكومة، انقلب على خطاباته عندما جلس على الكرسي الرئاسي، وباتت الحياة السياسية ناقصة بلا حصة الرئيس. وبعد مسيرته الطويلة التي بناها على أنه حامي السيادة، وقَّع عون العام 2018 مرسوم التجنيس السرّي، الذي شكَّل طعنة قاسية في خاصرة السيادة، وتضمَّن الكثير من الأسماء المشبوهة.
أخيراً، ضربة عون القاسية بين الخطاب والتطبيق، وجَّهها لبيته الداخلي. وتحديداً، للناشطين الذين شكَّلوا النواة الصلبة لمواجهة الاحتلال السوري، ودفعوا الثمن غالياً في حملات التنكيل والاعتقالات، خصوصاً في 7 و9 آب 2001، ليبيعهم بالرخيص بعد وصوله الى بعبدا، ويعطي الحكم والتحكُّم بهم من بعده لصهره المدلَّل جبران باسيل.
ولا أحد ينسى من المناضلين والمؤسّسين تدخُّل عون المباشر، في اللحظة الأخيرة، لمصلحة انتخاب صهره باسيل رئيساً للتيار الوطني الحر في آب العام 2015، بالتزكية، بعدما كانت النتائج تتّجه لإعلان فوز ابن شقيقته النائب آلان عون.
خاص ـ من الحكومة العسكرية إلى الحكم… سنوات من النكران والشعبوية
“سأسلِّم لبنان أفضل مما استلمته”. عبارة قالها رئيس الجمهورية ميشال عون العام 2020. ولعلَّها تختصر كل مسيرته السياسية منذ ترؤسه الحكومة العسكرية العام 1988، وحتى نهاية عهده كالرئيس 13 للجمهورية اللبنانية.
مسيرة عون لطالما ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بالخطابات الرنانة والوعود الكبيرة، واصطدمت دائماً وأبداً بحائط النكران والخيبات. أخصامه يتَّهمونه بالشعبوية، فيما يتذرَّع وأزلامه بعبارة “ما خلّونا” ويردُّون عهد “جهنم” إلى هذه النظرية. والواقع أن أداء عون لطالما اختلف عن خطابه الذي تغيَّر وفقاً لكلّ مرحلة وأبطالها.
بالعودة إلى العام 1988، خلال رئاسته للحكومة العسكرية، ركَّز عون بأكثر من خطاب ومناسبة، على أنه “لن يفعل شيئاً في مسيرته السياسية إلا وفقاً لإرادة الشعب”. الشعب نفسه صرخ العام 2019 في ثورة تاريخية، مطالباً باستقالة عون وصهره رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل. لكن “على من تقرأ مزاميرك يا داود”؟ أدار عون أذنه........
© Lebanese Forces
visit website