تمضي المواقف الأمريكية الإسرائيلية في اتجاهات انتقادية، وليست خلافية بالمعنى المعروف، خاصة وأن مطالبة الرئيس الأمريكي جو بايدن بتغيير الحكومة الإسرائيلية لها ما يبررها، قبل أن تحسم إسرائيل مواجهتها الراهنة في قطاع غزة.

مطالب تأتي تخوفا من تعرضها (إسرائيل) لمساحات من القطيعة والعزلة الدولية نتاج ما جرى من خلال ممارسات الحكومة الراهنة، واستئناف سياسة الاستيطان والاقتحامات في الضفة الغربية، وما سبقها من الحرب على القطاع، والدخول في مواجهات مفتوحة أدت إلى الهجوم على السياسة الإسرائيلية في مجملها.

وتعرضت إسرائيل الدولة وليست فقط الحكومة، لانتقادات كبيرة جراء الهجمات على قطاع غزة، وتجاوز المواجهات السابقة، والتي أدت إلى الهجوم الدولي إعلاميا وسياسيا على إسرائيل، برغم التسليم الأمريكي، بل والإسرائيلي بأنها ربحت في العموم من الدعم الغربي أمريكيا وعالميا في الفترة الأولى للمواجهة، والتأكيد على دعم غربي مفتوح دبلوماسيا وسياسيا، بل وأمنيا.

برز ذلك بالفعل في تقديم كل التسهيلات لإسرائيل في المواجهة؛ باعتبارها تتمتع بعضوية القيادة المركزية الأمريكية العاملة في الشرق الأوسط، إضافة إلى مزايا الدولة العضو من خارج حلف الناتو، وهو ما يفسر أن أية خلافات سياسية، أو استراتيجية بين واشنطن وتل أبيب تبقي في إطارها في ظل تخوف الحكومة الإسرائيلية من استمرار الانتقادات الأمريكية من داخل مجلس الشيوخ والكونغرس، ومن أن إسرائيل قد تتسبب في الإضرار بالمصالح الأمريكية الأمنية والاستراتيجية في الشرق الأوسط، بل وقد تؤدي إلى مزيد من الخسائر الكبيرة لواشنطن خلال ما تبقى من عمر لولاية الرئيس بايدن الراهنة جراء استهداف الحضور الاستراتيجي في العراق وسوريا والمتوسط والخليج.

وبرغم التسليم بأن إسرائيل لا يمكن أن تكون ساحة لأي خلاف حقيقي، إلا أن الإدارة الأمريكية التي أمامها وقت قليل قبل إجراء الانتخابات لا تريد أن تدخل في مواجهات عربية أمريكية من جانب، أو أوروبية أمريكية من جانب آخر في ظل الترتيبات الأمنية التي تعمل عليها في الوقت الراهن في غزة أو خارجها، مما يؤدي إلي مواجهات جديدة قد تؤثر على نمط العلاقات الأمريكية الدولية.

ولهذا ذهبت الإدارة الأمريكية تطالب بتغيير الحكومة الإسرائيلية الراهنة؛ آملة في تشكيل حكومة جديدة يمكن أن تكون مدخلا لمقاربات جديدة في نمط العلاقات المشتركة، أو العمل على سياسات محددة من خلال رؤية أكثر أهمية، أو تقديرا مما يجري في الوقت الراهن، وقد تؤدي إلى إنهاء حالة الحرب، وإعادة ترتيب الحسابات السياسية، والاستراتيجية بوجوه أخرى من حكومة وسط اليمين، وإدخال المعارضة الإسرائيلية التي تعمل في إطار من الخيارات المعتدلة والمتزنة.

هذا الأمر قد يدفع للتعجيل بإنهاء حالة الحرب الراهنة بالفعل، ويحفظ لإسرائيل دورها في الإقليم، ويعيد النظر في مجمل السياسات الراهنة، والتي تعلي من صوت القوة الذي يتبناه مجلس الحرب بكل رموزه التي تدير المواجهة من خلال دور عسكري مفتوح دون امتلاك أية خبرات سياسية، أو استراتيجية محددة في هذا التوقيت الجاري، وفي ظل سيناريوهات متعددة غير واضحة، وحالة من الضبابية، والتي لا يمكن أن تؤدي الي انفتاح المشهد السياسي أو إيجاد أفق.

ومن ثم فإن الإدارة الأمريكية تعمل في اتجاه تغيير الحكومة الراهنة، مع العلم بأن أعضاء سفاراتها في القدس قد أسهموا أصلا في تشكيل الحكومة الإسرائيلية الراهنة، وربما يكون تخوف الإدارة الأمريكية من أية ارتدادات تمس جوهر العلاقات الثنائية، وبالمصالح الكبيرة للأمة الأمريكية التي يمكن أن يكون تأثيرها بالغ الأهمية.

وتعمل الإدارة الأمريكية في الوقت الراهن في اتجاهات محددة؛ أولها: إعادة إرسال الرسائل المباشرة، والمعلنة للحكومة الإسرائيلية، ولشخص رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ما يؤكد على عودة الخلافات في الرأي والفكر والتوجه، رغم ما يدور عن عودة الاتصالات الأمريكية الإسرائيلية إلى طبيعتها في الوقت الراهن، وأن الحكومة الإسرائيلية عبرت حدود الأزمة المفصلية مع الإدارة الأمريكية، وأن هذا الأمر يتم من خلال دور فعلي وحقيقي لكبري المنظمات اليهودية في العالم، وفي الولايات المتحدة علي وجه الخصوص، والتي تتعامل في إطار المصالح العليا للدولة اليهودية.

إن أمن إسرائيل ما زال يحظى بدعم أمريكي كبير، وأن ما تواجهه إسرائيل كدولة يتم في إطار التزامات أمريكية في المقام الأول، ولا علاقة له بالإدارة التي تحكم البيت الأبيض، ومن ثم فإن ما يتعلق بالموقف الراهن، ومطالبة الرئيس الأمريكي بضرورة تغيير الحكومة يمضي في هذا السياق من الخيارات المهمة التي تعمل على مستويات محددة، وفي إطار من السياسات المنضبطة الحاكمة لأسس العلاقات، والتي لا تخرج عما يمكن اعتباره مرجعا، أو هامشا للمناورة، أو التباين مع التأكيد على ثوابت هذه العلاقة، والتي تسمح وبمرونة في بعض التجاذبات المتعلقة بسياسة الاستيطان والقدس وحل الدولتين التي رفضها رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو مؤخرا، ودون أن يكون فاعلا أو مؤثرا، أو يكون محلا لخلافات حقيقية تؤثر على نمط السياسات الراهنة، والتي قد توتر مستوى العلاقات المشتركة بين البلدين، وفي ظل خيارات متعلقة بالسيناريو الأمثل للعلاقات، والتي تديره مؤسسات صنع القرار في البلدين ، والتي تدفع إلى تقريب وجهات النظر، بدليل ما يتم في منظومة العلاقات من اتصالات دورية وبصورة لافتة.

هذا الأمر يؤكد على أن المصالح المشتركة، وخاصة في مستواها الاستراتيجي لا يمكن أن تتضرر من أي مستوي في حال الوصول إلى خيارات تصاعدية تمس جوهر العلاقات المشتركة، والتي دائما يتم الاحتكام إليها، وهو ما يجري في الوقت الراهن، مع استمرار حالة الدعم غير المسبوقة بين الجانبين، خاصة وان إسرائيل لا يمكن أن تذهب إلى صدامات مفصلية في المديين القصير، والمتوسط مع الولايات المتحدة، والتي قد تتوجس في تصوراتها العامة من أية ارتدادات حقيقية على مستويات العلاقات، ودور اللوبي اليهودي المؤثر في الانتخابات الرئاسية المقبلة، خاصة وأن الرئيس الأمريكي جو بايدن يواجه كثيرًا من العثرات الراهنة والمتعلقة بالفعل بمحاكمته، وعدد من المسؤولين، وبعد توجيه الاتهامات لنجله هانتر.

في السياق نقسه، إن استمرار محاكمة الرئيس الأمريكي السابق ترامب، وحالة عدم الاستقرار في حزبه الجمهوري، يدفع للصوت اليهودي، ومنظمات اللوبي اليهودي، للتحرك في كل الاتجاهات لتحقيق مصالح إسرائيل في الوقت الراهن، سواء في المكون الداخلي، أو خارجه؛ بصرف النظر عن الرئيس القادم في البيت الأبيض.

إن الدعاوى الأمريكية بتغيير الحكومة في إسرائيل ستظل في إطار من الضوابط الهادئة الأمريكية تجاه إسرائيل دون سعي حقيقي لإعادة ترتيب أولويات إسرائيل الأمنية والسياسية، أو السماح بمزيد من السياسات المقابلة، والتي سترتبط بإدارة المواجهات الراهنة في غزة، واليوم التالي لحكم القطاع، ومدى ما يمكن أن تطرحه الولايات المتحدة من صيغ أمنية حقيقية منضبطة تعمل في اتجاه سياسي وأمني ودون أن يتعرض أمن إسرائيل لأي خطر حقيقي في الوقت الراهن، ومن خلال مقاربات دبلوماسية وسياسية منضبطة سواء بدخول قوات أمريكية أو من دول حلف الناتو أو بدعم عربي.

إن كل الخيارات الراهنة ما تزال مطروحة دون تحديد واضح مما سيضع أية تطورات سواء في المواقف الأمريكية أو في الحكومة الإسرائيلية في نطاقها السياسي والدبلوماسي عقب وقف إطلاق النار، وبدء خطوات حقيقية للتهدئة، والانخراط في مستوي آمن من السياسات الأمنية والاستراتيجية التي تسعي إسرائيل لتحقيقها في المدي الطويل.

QOSHE - مسارات واتجاهات التجاذبات الأمريكية الإسرائيلية الراهنة - د. طارق فهمي
menu_open
Columnists Actual . Favourites . Archive
We use cookies to provide some features and experiences in QOSHE

More information  .  Close
Aa Aa Aa
- A +

مسارات واتجاهات التجاذبات الأمريكية الإسرائيلية الراهنة

32 0
19.12.2023

تمضي المواقف الأمريكية الإسرائيلية في اتجاهات انتقادية، وليست خلافية بالمعنى المعروف، خاصة وأن مطالبة الرئيس الأمريكي جو بايدن بتغيير الحكومة الإسرائيلية لها ما يبررها، قبل أن تحسم إسرائيل مواجهتها الراهنة في قطاع غزة.

مطالب تأتي تخوفا من تعرضها (إسرائيل) لمساحات من القطيعة والعزلة الدولية نتاج ما جرى من خلال ممارسات الحكومة الراهنة، واستئناف سياسة الاستيطان والاقتحامات في الضفة الغربية، وما سبقها من الحرب على القطاع، والدخول في مواجهات مفتوحة أدت إلى الهجوم على السياسة الإسرائيلية في مجملها.

وتعرضت إسرائيل الدولة وليست فقط الحكومة، لانتقادات كبيرة جراء الهجمات على قطاع غزة، وتجاوز المواجهات السابقة، والتي أدت إلى الهجوم الدولي إعلاميا وسياسيا على إسرائيل، برغم التسليم الأمريكي، بل والإسرائيلي بأنها ربحت في العموم من الدعم الغربي أمريكيا وعالميا في الفترة الأولى للمواجهة، والتأكيد على دعم غربي مفتوح دبلوماسيا وسياسيا، بل وأمنيا.

برز ذلك بالفعل في تقديم كل التسهيلات لإسرائيل في المواجهة؛ باعتبارها تتمتع بعضوية القيادة المركزية الأمريكية العاملة في الشرق الأوسط، إضافة إلى مزايا الدولة العضو من خارج حلف الناتو، وهو ما يفسر أن أية خلافات سياسية، أو استراتيجية بين واشنطن وتل أبيب تبقي في إطارها في ظل تخوف الحكومة الإسرائيلية من استمرار الانتقادات الأمريكية من داخل مجلس الشيوخ والكونغرس، ومن أن إسرائيل قد تتسبب في الإضرار بالمصالح الأمريكية الأمنية والاستراتيجية في الشرق الأوسط، بل وقد تؤدي إلى مزيد من الخسائر الكبيرة لواشنطن خلال ما تبقى من عمر لولاية الرئيس بايدن الراهنة جراء استهداف الحضور الاستراتيجي في العراق وسوريا والمتوسط والخليج.

وبرغم التسليم بأن إسرائيل لا يمكن أن تكون ساحة لأي خلاف حقيقي، إلا أن الإدارة........

© العين الإخبارية


Get it on Google Play