منذ عمليّة طوفان الأقصى وما تلاها من حرب إجراميّة على قطاع غزّة ما علا صوت ولا انخفض همس في عين التّينة إلّا ودار حول مسارات الحرب ومآلاتها، خصوصاً وأنّ لبنان انخرط منذ اليوم التّالي مساندة لفلسطين ودفاعًا عن الحدود الجنوبيّة الّتي حاولت «إسرائيل» استباحتها.

وفي كلّ لقاءاته الديبلوماسيّة مع الموفدين الغربيين، والّتي حمل بعضها لغة التّهويل والتّهديد أحيانًا، كان رئيس مجلس النّوّاب نبيه برّي حاسمًا في الدّعوة إلى الضّغط على العدو الإسرائيلي من أجل انهاء المجازر في غزّة والتّوقّف عن الاعتداء على لبنان، فهذا هو الطّريق الوحيد لمنع تمدّد الحرب وتوسّع رقعتها إذا كانوا فعلا يرغبون بذلك.

أمّا وقد هدأ صوت المدافع وبدأت الهدن تتالى فالجو العام بات مريحًا أكثر مع كثير من التّرقّب والحذر، فالحرب لم تنتهِ بعد وأفق الحلّ السّياسيّ مفتوح على احتمالات صعبة بالنّسبة لإسرائيل وحركة حماس على حدّ سواء، وصياغة الحل متروكة للولايات المتحدة الأميركية وقطر بالتّنسيق والتّشاور مع القوى الإقليميّة الفاعلة والمؤثّرة لدى طرفي الصّراع.

زوّار عين التّينة نقلوا عن رئيس المجلس تفاؤلًا حذرًا بإمكانيّة تحوّل الهدن الإنسانيّة إلى وقف كامل لإطلاق النّار، ذلك أنّ تحوّلا ملموسًا في الموقف الأميركي بدأ يظهر إلى العلن بعدما أمعنت «إسرائيل» في إجرامها وقتلت ما يزيد عن عشرين ألفًا من الأبرياء فأحرجت حلفاءها الدّاعمين لها، وكذلك الحسابات الدّاخليّة للرّئيس الأميركي «جو بايدن» بعد تراجع نسبة كما أظهرت آخر استطلاعات الرّأي.

ولكن، ماذا عن لبنان؟

منذ اليوم الأوّل لم تخفِ «إسرائيل» نزعتها العدائيّة اتّجاه لبنان، بل صرّح قادة حكومة حربها علانية بنيّتهم توجيه ضربة إلى حزب الله بعد الانتهاء من القضاء على حماس في غزّة، ولطالما هدّدنا «بنيامين نتنياهو» بحاملات الطّائرات الأمريكيّة الّتي ستتولّى أمر لبنان في حال توسّع الحرب، ولو جارى الأمريكيون رئيس وزراء العدو لما تردّد لحظة عن ضرب لبنان وتدمير ما تبقّى من بناه التّحتيّة.

ومع رفع المقاومة في لبنان من وتيرة عمليّاتها ونزوح عشرات آلاف المستوطنين الصّهاينة عن الحدود الشّماليّة لفلسطين المحتلّة ارتفعت أصوات هؤلاء لمطالبة حكومة كيانهم بضمان أمنهم، وصرّح معظم الرّؤساء المحلّيين في تلك المستوطنات بعدم استعدادهم للعودة إليها ما لم يحصلوا على ضمانات تبعد عنهم خطر حزب الله.

هذا الواقع فرض على قيادة العدو مجاراة المستوطنين بتصريحات عدائيّة يعرفون بأنّهم عاجزون عن تحقيقها عسكريًّا، ففُتح باب الحديث عن تطبيق القرار ١٧٠١، أي ابعاد المقاومة إلى شمال نهر الليطاني، وهذا هراء سياسيّ لأنّ المقاومين هم أهل الأرض وقوّتهم تنبع من حقّهم المشروع في الدّفاع عن أرضهم وردع عدوّهم الّذي يجاهر برغبته في الانقضاض على لبنان متى استطاع!

فهل يمكن ربط عودة «لودريان» بكلّ ما سلف؟

لا بدّ، بداية، من الإشارة إلى الخطيئة السياسيّة الّتي ارتكبها الرّئيس الفرنسي «ايمانويل ماكرون» عندما زار «تل أبيب» ودعا إلى تشكيل تحالف دوليّ لضرب حماس، تلك الدّعوة سبّبت حرجًا ديبلوماسيًّا كبيرًا دفع عشرة من سفراء فرنسا في المنطقة إلى تسطير رسالة احتجاج شرحوا فيها مخاطر الانحياز الكامل لصالح «اسرائيل» على حساب مصالح فرنسا في الشّرق الأوسط، حسب صحيفة «لوفيغارو» الفرنسيّة.

ومن دون شكّ تركت مواقف «ماكرون» أثرًا سلبيًّا على فريق المقاومة في لبنان، إضافة إلى توقيت إعلان شركة «توتال» عن خلو حقل قانا من الغاز والّذي اعتبره الرئيس نبيه برّي يومها إعلانًا سياسيًّا وليس تقنيًّا.

بالعودة إلى زيارة لودريان ولقائه بالرئيس نبيه برّي يفيد زوّار عين التّينة بأن لا جديد قدّمه الموفد الفرنسيّ سوى تأكيده على نقاط ثلاث:

- المحافظة على الهدوء في الجبهة الجنوبيّة وعدم توسيع دائرة الاشتباك، انطلاقاً من قلق الموفد الفرنسي من امكانية استمرار الحرب في غزة برغم الهدن الانسانيّة الّتي تتمدّد مرّة بعد أخرى، وكانت لافتة ديبلوماسيّة لودريان في تناوله موضوع الجبهة الجنوبيّة بعكس الرّسائل السّابقة الّتي وصلت إلى لبنان في بداية الحرب وكانت تحمل نفسًا تهديديًّا.

أمّا جواب برّي فلم يتغيّر، حسب المصادر، فأعاد على لودريان موقف لبنان الدّاعي إلى ضرورة الضّغط على إسرائيل لوقف حربها على غزّة ومنعها من الاعتداء علينا، والمقاومة ملتزمة بالدّفاع عن لبنان في مواجهة عدوانيّة «إسرائيل».

- ضرورة الاستفادة من الواقع الإقليمي القائم وخلق أجواء مؤاتية لانتخاب رئيس جديد للجمهوريّة، مؤكّدًا على ضرورة مواصلة المشاورات من أجل الوصول إلى اتّفاق سياسيّ ينهي الشّغور الرّئاسيّ ويعيد الانتظام إلى عمل مؤسّسات الدّولة.

- التّأكيد على ضرورة حماية المؤسّسة العسكريّة والعمل على منع الفراغ في مركز قيادة الجيش.

في السّياق أكّد مصدر مطّلع على أجواء الحراك السّياسيّ الدّاخلي بأنّ الفرنسيين كما الأمريكيين يرغبون بتمديد ولاية قائد الجيش جوزف عون، وهذا ما لسمه الّذين التقوا لودريان، وحسب المصدر فإنّ الأخير صرّح بدعم التّمديد لقائد الجيش.

توقيت زيارة لودريان لا ينفصل عمّا يجري في غزّة، ثمّة رأي يقول بأنّ الفرصة مؤاتية للبنان لتمرير الاستحقاق الرّئاسي فأنظار العالم واهتمامه منصبّة اليوم على فلسطين وكيفية الخروج بصيغة حلّ بعد المأساة الإنسانيّة الّتي حلّت على قطاع غزّة نتيجة الهمجيّة الإسرائيليّة الّتي صبّت جام إجرامها على المدنيين بعد عجزها عن مواجهة المقاومة وفشلها في تحقيق أهدافها عسكرياً.

لكنّ لا شيء يشي بامكانية حصول خرق رئاسيّ في ظلّ الضّبابيّة الّتي تحكم المشهد الإقليمي، ولا شكّ بأنّ نتائج الحرب على غزّة ستنعكس حكمًا على الواقع السّياسي اللّبناني بحكم التّرابط الطّبيعي جغرافيًّا واستراتيجيًّا بين جميع مكوّنات المنطقة.

ولا بدّ من الالتفات إلى أهميّة الدّور القطري في معالجة الملف الرّئاسي، خصوصًا وأنّ قطر أدّت دورًا محوريًّا في صياغة وتثبيت الهدنة الإنسانيّة، وتواصل البحث مع الأمريكيين عن حلّ نهائيّ يؤدّي إلى وقف إطلاق النّار وإعادة الإعمار تمهيدًا لتسوية كبرى تحتاج وقتًا أطول لإنجازها.

خلاصة المشهد المعقّد تقول: لا جديد سياسيًّا يذكر في لبنان، الحذر والقلق ما زال قائمًا من أيّ حماقة قد يقوم بها نتنياهو، وكلّ ما عدا ذلك تقطيع للوقت بانتظار انجلاء غبار المعارك في قطاع غزّة.

QOSHE - عناوين «لودريان» لدى «برّي»: الجنوب والجيش والرّئاسة! - حسن الدّر
menu_open
Columnists Actual . Favourites . Archive
We use cookies to provide some features and experiences in QOSHE

More information  .  Close
Aa Aa Aa
- A +

عناوين «لودريان» لدى «برّي»: الجنوب والجيش والرّئاسة!

3 1
30.11.2023

منذ عمليّة طوفان الأقصى وما تلاها من حرب إجراميّة على قطاع غزّة ما علا صوت ولا انخفض همس في عين التّينة إلّا ودار حول مسارات الحرب ومآلاتها، خصوصاً وأنّ لبنان انخرط منذ اليوم التّالي مساندة لفلسطين ودفاعًا عن الحدود الجنوبيّة الّتي حاولت «إسرائيل» استباحتها.

وفي كلّ لقاءاته الديبلوماسيّة مع الموفدين الغربيين، والّتي حمل بعضها لغة التّهويل والتّهديد أحيانًا، كان رئيس مجلس النّوّاب نبيه برّي حاسمًا في الدّعوة إلى الضّغط على العدو الإسرائيلي من أجل انهاء المجازر في غزّة والتّوقّف عن الاعتداء على لبنان، فهذا هو الطّريق الوحيد لمنع تمدّد الحرب وتوسّع رقعتها إذا كانوا فعلا يرغبون بذلك.

أمّا وقد هدأ صوت المدافع وبدأت الهدن تتالى فالجو العام بات مريحًا أكثر مع كثير من التّرقّب والحذر، فالحرب لم تنتهِ بعد وأفق الحلّ السّياسيّ مفتوح على احتمالات صعبة بالنّسبة لإسرائيل وحركة حماس على حدّ سواء، وصياغة الحل متروكة للولايات المتحدة الأميركية وقطر بالتّنسيق والتّشاور مع القوى الإقليميّة الفاعلة والمؤثّرة لدى طرفي الصّراع.

زوّار عين التّينة نقلوا عن رئيس المجلس تفاؤلًا حذرًا بإمكانيّة تحوّل الهدن الإنسانيّة إلى وقف كامل لإطلاق النّار، ذلك أنّ تحوّلا ملموسًا في الموقف الأميركي بدأ يظهر إلى العلن بعدما أمعنت «إسرائيل» في إجرامها وقتلت ما يزيد عن عشرين ألفًا من الأبرياء فأحرجت حلفاءها الدّاعمين لها، وكذلك الحسابات الدّاخليّة للرّئيس الأميركي «جو بايدن» بعد تراجع نسبة كما أظهرت آخر استطلاعات الرّأي.

ولكن، ماذا........

© اللواء


Get it on Google Play