ماذا تريد السماء؟ وماذا تريد الأرض؟

قد يكون هذا السؤال مشروعاً في مختلف الأزمنة والأوقات والأمكنة.

أما ماذا تريد السماء من لبنان اليوم، وماذا تريد منه الأرض، فهو سؤال بات شائكاً تماماً كما المفاوضات الجارية في بقعة ما على هذه الأرض، أو عبر وسائل الاتصال الحديثة، والتي تحاول حقن دماء أطفال غزة الأبرياء، الذين باتوا عنواناً لدمويّة هيرودوس 2024، الذي لم يرتوِ بعدُ من أصوات أنين الرّضع والأطفال، الذين من المفترض أن يصرخوا الأسبوع المقبل "هوشعنا" في أورَشاليم قبل بداية مسيرة الآلام.

لكن عن أيّ بداية أو نهاية أو قيامة لمسيرة الآلام يمكن أنّ نتحدث، والجرح مفتوح على مصراعيه، وسط شهوة عالمية للتقاسم وتحقيق المكاسب بعيداً عن أيّ مفهوم من مفاهيم الإنسانية...؟

وبعيداً عن غزة، أو بالأحري قريباً منها، إذ بات الفصل بينها وبين مسار مجريات الأمور في لبنان أقرب إلى الحلم منه إلى الحقيقة.

وبين البعد والقرب، وبالعودة إلى السؤال الأساسي المتمثل في ما الذي تريده كلّ من السماء والأرض من لبنان، قد تكون الإجابة اليوم واضحة لا بل أكثر وضوحاً.

الأرض تتسع فيها معالم الحرب والأزمات، فتحوّل لبنان عن دراية وتخطيط، أو عن سوء فهم وفساد، إلى بقعة أشبه بجهنم، يكوي فيها الدولار المواطن، وتقلق الحرب راحة كلّ لبناني في أيّ منطقة وجد، ولأيّ طائفة أو حزب انتمى.

أما السماء فلا تتعب من إرسال رسائل السلام إلى لبنان الممزّق، وآخرها قرار قداسة الحبر الأعظم البابا فرنسيس برفع المثلث الرحمات البطريرك الماروني مار إسطفان بطرس الدويهي طوباوياً على مذابح الكنيسة.

فماذا عن هذه الرسالة السماوية في هذه الأيام العجاف؟

لا يخفى على أحد أن الصراع قائم بحدّة في هذه المرحلة على هوية لبنان، فلكلّ طرف نظرته الخاصة وأحجياته وتطلّعاته ورؤيته للبنان الكبير، أو حتى للصغير، أو يمكن للبنان الما بين بين.

في كلّ الأحوال، تطويب بطريرك مارونيّ في هذه الأيام بالذات، يأخذنا من جديد إلى درج قصر الصنوير، وإلى العودة إلى مفاهيم الميثاق الوطني، التي ضرب الجميع من دون استثناء بها عرض الحائط.

هذا التطويب يقول بشكل أو آخر إن لبنان الذي ولد ليكون رسالة عيش واحد لا يمكن أنّ يحلّق عالياً إلا إن أدّى مهمّته؛ وأيّ حرف له عن هذا المسار ستكون نتيجته سنوات عجاف على غرار ما يعيشه اللبنانيون على الصعد كافة.

أما الرسالة الثانية من التطويب بعد الرسالة الأولى الوطنية، فقد تكون مارونيّة بامتياز، وموجّهة إلى البيت الداخلي المتخبّط والمتخاصم والمتعادي من أجل كرسيّ، بات فراغه مميتاً وقاتلاً.

المطوّب الدويهي كان مؤسّساتياً بامتياز، فحوّل العمل في الكنيسة المارونية إلى مؤسّساتي، وصبغها بصبغة الانتظام والفكر والمعرفة... فأين الموارنة من المؤسّسات اليوم؟

والمطوّب الدويهي كان بطريركاً متمسّكاً بالأرض، فعاش في وادي القديسين صامداً بوجه كلّ أنواع الظلم... فأين الموارنة من الصمود اليوم حتى لو كانت تكلفته باهظة؟

والمطوّب الدويهي كان من آباء الكنيسة الذين خلقوا فلسفة "الجبل المقلوب"، فأدركوا وبشّروا بالآخر المختلف انطلاقاً من الوديان والجبال، وصولاً إلى المدن والسواحل في كلّ ما يمكن ان تحمل تسميات المناطق من معانٍ... فأين الموارنة اليوم من الآخر الذي يتشاطرون معه لبنان؟

يذكر أنّ البابا فرنسيس، وفي خلال استقباله في الأمس عميد مجمع دعاوى القديسين الكاردينال مارتشيللو سيميرارو، وافق على مراسيم صادرة عن المجمع تتعلّق بـتطويب المكرّم البطريرك إسطفان الدويهي الإهدنيّ.

ويحتفل لبنان بهذا الإعلان في طقس ليتورجيّ في بكركي في الثاني من آب المقبل.

QOSHE - ماذا تريد الأرض وماذا تريد السماء؟... الدويهي بطريرك لبنان طوباوياً - جو لحود
menu_open
Columnists Actual . Favourites . Archive
We use cookies to provide some features and experiences in QOSHE

More information  .  Close
Aa Aa Aa
- A +

ماذا تريد الأرض وماذا تريد السماء؟... الدويهي بطريرك لبنان طوباوياً

7 0
15.03.2024
ماذا تريد السماء؟ وماذا تريد الأرض؟

قد يكون هذا السؤال مشروعاً في مختلف الأزمنة والأوقات والأمكنة.

أما ماذا تريد السماء من لبنان اليوم، وماذا تريد منه الأرض، فهو سؤال بات شائكاً تماماً كما المفاوضات الجارية في بقعة ما على هذه الأرض، أو عبر وسائل الاتصال الحديثة، والتي تحاول حقن دماء أطفال غزة الأبرياء، الذين باتوا عنواناً لدمويّة هيرودوس 2024، الذي لم يرتوِ بعدُ من أصوات أنين الرّضع والأطفال، الذين من المفترض أن يصرخوا الأسبوع المقبل "هوشعنا" في أورَشاليم قبل بداية مسيرة الآلام.

لكن عن أيّ بداية أو نهاية أو قيامة لمسيرة الآلام يمكن أنّ نتحدث، والجرح مفتوح على مصراعيه، وسط شهوة عالمية للتقاسم وتحقيق المكاسب بعيداً عن أيّ مفهوم من مفاهيم الإنسانية...؟

وبعيداً عن غزة، أو بالأحري قريباً منها، إذ بات الفصل بينها وبين مسار مجريات الأمور في لبنان........

© Annahar


Get it on Google Play