تعتبر منطقة القرن الأفريقي منطقة ذات أهمية استراتيجية بالغة، كونها تطل على خليج عدن وتشرف على باب المندب.

وهي مقابلة لمناطق إنتاج النفط في دول مجلس التعاون الخليجي، وملاصقة لإقليم البحيرات العظمى في وسط أفريقيا، الذي يتميز بغنى موارده المائية والنفطية والمعدنية، ولهذا كانت المنطقة محلا للتنافس الاستعماري منذ بدايات الحقبة الاستعمارية في القرن السادس عشر.

وتجمع معظم المصادر المعرفية على أن منطقة القرن الأفريقي تتكون من الصومال وجيبوتي وإريتريا وإثيوبيا، حيث يشغل الصومال معظم مناطق القرن الساحلية التي تقع على المحيط الهندي وخليج عدن بسواحل بحرية يبلغ طولها نحو 3 آلاف كلم.

وتشمل جيبوتي وإريتريا بقية مناطق القرن الساحلية التي تقع على مضيق باب المندب والبحر الأحمر، أما إثيوبيا فقد حرمت من هذا المنفذ الساحلي الاستراتيجي بعد انفصال إريتريا عنها عام 1993.

من هنا تكمن أهمية نجاح الوساطة الإماراتية في إنهاء النزاع الإثيوبي ـ الإريتري، حيث يمكن لأديس أبابا التواصل مع العالم بحريا مجددا وتصدير منتجاتها والاستفادة من التعاون مع الموانيء البحرية الإريترية، وفي المقابل يمكن لأسمرة الاستفادة من الطاقة الكهربائية المتوقعة التي ستنتجها مولدات الكهرباء في سد النهضة.

لقد برزت دبلوماسية السلام التي انتهجتها الإمارات في نزع فتيل الصراع الإثيوبي ـ الإريتري عام 2018، حيث أظهرت الوساطة الناجحة التي قادها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة دور الإمارات كصانع سلام ووسيط دولي يعتد به، كما أبرزت حكمة وحنكة الشيخ محمد بن زايد ومكانته السياسية الكبيرة لدى قادة الدول الأخرى، حيث تقوم سياسة الإمارات الخارجية في القرن الأفريقي على تعزيز التعاون الاقتصادي، فضلا عما يحققه استقرار القرن الأفريقي والبحر الأحمر من نتائج تعزز أمن الملاحة الدولية، وهو أمر تستفيد منه الإمارات كما بقية دول المنطقة.

وقد نجحت جهود الشيخ محمد بن زايد في بناء علاقة جديدة بين الإمارات ودول القرن الأفريقي، تقوم على بناء علاقات اقتصادية وتجارية متينة من بوابة الاستثمارات والمساعدات كأرضية ضرورية لتوسيع قاعدة الأصدقاء.

وقد كان للمصالحة بين إثيوبيا وإريتريا أبعادا على الساحة الأفريقية، نظرا لأن إعلان نهاية الحرب بين الدولتين الجارتين يحدث تحولات مهمة في منطقة القرن الأفريقي المطلة على باب المندب، وإذا كان للدبلوماسية الإماراتية دورا أساسيا في التقريب بين أديس أبابا وأسمرة، فهذا هو الجزء الرئيسي من زاوية التكامل العربي وحماية الأمن القومي الخليجي والعربي، هذه الزاوية هي الأكثر أهمية، لما أسهمت فيه الإمارات سياسيا، كما جسدت جهود الإمارات قيام أبوظبي بدور الإطفائي في الصراعات الإقليمية العديدة المندلعة في دول عدة بالقارة الأفريقية، كما تعكس الحضور الإماراتي المتزايد في منطقة القرن الأفريقي ودعمها لتحقيق التنمية.

ولا شك أن ديناميكية ونشاط الدبلوماسية الإماراتية في السنوات الأخيرة قد فتحت أمامها آفاقا كبيرة لتعزيز الروابط والمصالح الاستراتيجية الإماراتية في أفريقيا، بما يتوقع أن ينعكس على دورها على الصعيد الإقليمي والدولي، كما أن نجاحها في لعب دور صانع السلام والوساطة في أحد أعقد الصراعات الأفريقية بين إثيوبيا وأريتريا أضفى على مكانة الإمارات أبعادا أخرى أكثر عمقا وفاعلية.

لاشك أن دور صانع السلام الفاعل الذي قامت به الإمارات يصب في مصلحة الأمن القومي العربي والخليجي بالأساس، حيث يعزز السلام بين إثيوبيا وأريتريا أجواء الأمن والاستقرار الإقليمي، ومن ثم فإن التحركات الإماراتية إنما تستهدف تحصين الأمن القومي العربي والخليج ضد كل مهددات الاستقرار، كما أثبتت تلك الوساطة حكمة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وهي حكمة تشبّع بها من مدرسة القائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وتجلت تماما في صورته كرجل دولة من طراز رفيع قادر على رأب الصدع في خلاف معقد يمتد لأكثر من عقدين، خاض طرفاه خلالهما حربا ضروسا راح ضحيتها نحو 100 ألف حسب بعض التقديرات، فضلا عن الخسائر الاقتصادية الناجمة عن تلك الحرب وما تلاها من حرب باردة وتوترات أسهمت في انزلاق البلدين إلى دائرة الفقر والمعضلات الاقتصادية الصعبة.

ومن ثم، كان هذا الخلاف بحاجة إلى دور حكيم لطرف يحظى بثقة الطرفين وصداقتهما على حد سواء، كي يمكن لهذا الوسيط أن ينجح في تقريب وجهات النظر من خلال ما يتمتع به من ثقة وقناعة لدى طرفي النزاع بحسن نواياه ورغبته الصادقة في إنهاء هذا الخلاف، تحقيقا لمصلحة البلدين والشعبين الصديقين.

وقد كانت هذه الخطوة الإيجابية أو رياح الأمل الجديدة التي تهب في أفريقيا، كما أسماها الأمين العام للأمم المتحدة، تمثل تطورا إيجابيا في غاية الأهمية وسط طوفان من التحركات والخطط التآمرية للدول الممولة للإرهاب والقوى التوسعية الإقليمية التي تعمل على تعميق الخلافات ونشرها بين دول الإقليم.


QOSHE - الإمارات تقود رياح الأمل في أفريقيا - يوسف جمعة الحداد
menu_open
Columnists Actual . Favourites . Archive
We use cookies to provide some features and experiences in QOSHE

More information  .  Close
Aa Aa Aa
- A +

الإمارات تقود رياح الأمل في أفريقيا

62 0
26.05.2024

تعتبر منطقة القرن الأفريقي منطقة ذات أهمية استراتيجية بالغة، كونها تطل على خليج عدن وتشرف على باب المندب.

وهي مقابلة لمناطق إنتاج النفط في دول مجلس التعاون الخليجي، وملاصقة لإقليم البحيرات العظمى في وسط أفريقيا، الذي يتميز بغنى موارده المائية والنفطية والمعدنية، ولهذا كانت المنطقة محلا للتنافس الاستعماري منذ بدايات الحقبة الاستعمارية في القرن السادس عشر.

وتجمع معظم المصادر المعرفية على أن منطقة القرن الأفريقي تتكون من الصومال وجيبوتي وإريتريا وإثيوبيا، حيث يشغل الصومال معظم مناطق القرن الساحلية التي تقع على المحيط الهندي وخليج عدن بسواحل بحرية يبلغ طولها نحو 3 آلاف كلم.

وتشمل جيبوتي وإريتريا بقية مناطق القرن الساحلية التي تقع على مضيق باب المندب والبحر الأحمر، أما إثيوبيا فقد حرمت من هذا المنفذ الساحلي الاستراتيجي بعد انفصال إريتريا عنها عام 1993.

من هنا تكمن أهمية نجاح الوساطة الإماراتية في إنهاء النزاع الإثيوبي ـ الإريتري، حيث يمكن لأديس أبابا التواصل مع العالم بحريا مجددا وتصدير منتجاتها والاستفادة من التعاون مع الموانيء البحرية الإريترية، وفي المقابل يمكن لأسمرة الاستفادة من الطاقة........

© العين الإخبارية


Get it on Google Play