كثُرت الأسئلة عن ماهية العمل السياسي في لبنان ومدى التزامه مبادىء العلوم السياسية، بدءًا من تحليل المجرى السياسي اللبناني وتعريف الحياة السياسية اللبنانية ومبدئية تطورها وأهميتها ومناهجها الفكرية وعلاقتها بالاختصاصات الأخرى الداعمة لسيادة الدولة.

كما من الضرورة في هذا المجال توصيف حالة الجمهورية اللبنانية وآلية ممارسة الحكم داخلها وعلى المستويين الإقليمي والدولي، إضافة إلى أنواع الحكومات التي تُشكل والآليات التي تمارس فيها سلطتها على أرض الواقع. من حيث المبدأ يوجِب علم السياسة علميًا وتفصيليًا درس نوّعية المسؤولين نوابًا، وزراء، رؤساء أحزاب، اختصاصيين، فعاليات، ودرس مؤسسات المجتمع المدني، وجماعات الضغط والمفاهيم الوطنية والحزبية، ومفهوم الرأي العام، وممارسة الديموقراطية في شكلها الموضوعي والمنهجي لا الهامشي... من خلال ما أُسْلِف يمكن الحكم على هيكلية النظام السياسي إذا كان من صنف الإنتاجي أو من صنفي المقاولة أو التجارة السياسية.

الوقائع المريرة للجمهورية اللبنانية تُشير الى احتمالية تعرّضها للتصدُّع التي أصبحت عليها واقعًا ملموسًا خصوصًا في مرحلة ما بعد إقرار وثيقة الوفاق الوطني (اتفاق الطائف)، والتي برزت فيها احتمالات الفوضى والتطاول على الحياة الدستورية وإهمال تطبيق القوانين والعودة إلى البدائل من الحد الأدنى لبناء دولة. أكثر ما برز في هذه المرحلة الحرجة الولاءات الخارجية، بيئة انتماءات ديكتاتورية احادية ويطول التوصيف في حالة الاسترسال. وأكثر من يُسيء إلى واقع الجمهورية مقولة استعمال منظومة مخالفة لأدبيات السياسة ومفادها «إنّ الجمهورية اللبنانية متماسكة وسيادتها مُصانة»! ومرجعية هذه المنظومة شبه سلطة مهيمنة على مراكز القرار والهوية والسيادة وكل وظائف الدولة.

مقاولون سياسيون أو تجار سياسة

إنّ ما تشهده الحالة السياسية اللبنانية من نكبات وتحولات في ممارسة النظام من السيئ إلى الأسوأ وبدرجات متفاوتة أضفَت عليها تغيرات سياسية بنيوية لناحية تزوير الإنتخابات النيابية على مرحلتين إزاء اعتماد قانون إنتخابات غير عادل ومتوازن، والحالة هذه أشعرت المواطنين بأنهم لا ينتمون إلى أي علاقة مواطنة إلاّ من خلال حالة تحالف حزبية منافية لقانون الأحزاب والجمعيات وتعديلاته وأيضًا من خلال علاقة تفككية قائمة لغياب الرابطة الوطنية العضوية بين المواطن ودولته. هناك فجوات من الثقة بين النظام والشعب وأحد أسباب هذا العامل (عدم الثقة) سيؤدي حتماً إلى تفكيك الجمهورية الى دويلات أصبحت قائمة في حد ذاتها وعلى ما يبدو باتت تشكل الغالبية المجتمعية وفقًا لكثير من الوقائع المُعاشة حاضرًا.

ساسَة ينتهجون العمل السياسي بفكرة «المقاولة والتجارة» إضافةً إلى احتكارهم للقدرات السياسية والأمنية والإقتصادية والمالية والإجتماعية للمجتمع اللبناني، وهذا الأمر استنادًا للعلوم السياسية خلق مشكلة «المواطنة في الجمهورية» أو ما يُعرف بالولاءات الخارجية على حساب الولاء للوطن. وقد أحدثَ هؤلاء الساسة حالة فوضى عارمة أنهَكت المؤسسات الرسمية المدنية والعسكرية، بينما الولاء الوطني الصرف يقضي بقيام دولة ديموقراطية حقيقية تحترم الدستور والقوانين المرعية الإجراء والقوانين الدولية الصادرة لمصلحة الجمهورية وفي طليعتها القرارات: 1559 و1680 و1701، كما اعتماد الشفافية والمساءلة والمحاسبة واستعادة كل أموال الدولة المنهوبة وأموال المودعين. مقاولة سياسية تجارية تمنع القضاء من الإستقلالية وتمنعه من المحاسبة وتُسيسَهُ، ومقاولة سياسية تعمل على إعاقة أعمال الهيئات الرقابية والدستورية والإدارية.

علم السياسة يذكر في اختصار أنّ شرعية بقاء الجمهوريات في الأساس يعود أولاً إلى أنّ شرعيتها تتمحور حول قوة وضعها وسلامته، كما يذكر علماء السياسة أيضًا أنّ القوة السياسة ـ الأمنية ـ الإقتصادية ـ المالية ـ الإجتماعية، واستمرار نموّهم من الأسباب الكافية لبقاء الجمهوريات وازدهارها. إنّ علم السياسة يرفض مبدأ المقاولة السياسية كما مبدأ التجارة السياسية، وهذا العلم يذكر أيضًا أنّ الجمهوريات تستقي بقاءها وديمومتها وقوتها وحضورها من أوضاعها السياسية والأمنية والإقتصادية المتينة وقدرة حكامها المستقلين والمتنوّرين بنحو شبه مستمر لا على قواعد المقاولة والتجارة والتمحيص الهَش والشمولية والقمع التي لا تمتّ إلى الحرية الفكرية ولا إلى النظم الديموقراطية.

علميًا وبحثيًا إنّ مفهوم سياسة المقاولات والتجارة في لبنان مبني على عدم احترام الدستور والقوانين والنظام الديموقراطي وعلى أساس إدارة فاسدة ومُفسدة وتقديم أسوأ أنواع الخدمات، وتنفيذ المشاريع عن طريق المنافع الخاصة والتي تتم خلافًا للمعايير والجودة الوطنية السياسية المطلوبة وفقًا للآليات الدستورية والقانونية، مع تأكيد عدم تأمين مصالح الناس والدولة وأجهزتها والبيئة المحيطة بكل من الدولة والشعب وذلك لتحقيق الرضى للمُمسكين بمقدرات الدولة.

«تجارة سياسية بامتياز»، حيث يكثر الحديث عن اكتشاف حالات فساد مزمنة في الجسم السياسي اللبناني وغالبيتها تصول وتجول وتنهش الوطن ولحم الشعب اللبناني، وصدق قول أحد الديبلوماسيين عندما ردّد في أحد مجالسه: «لحم أكتاف زعمائكم تنامى واستعرض بالحرام ...». إنّ التجارة السياسية الممارسة بمهنية قاتلة صارت من الأمور المباحة لا بل المُحببة في قاموس ساسة لبنان، وحياة السياسيين أضحت مرتعًا للنفاق وعادة سيئة وتقليدًا متّبعًا ومُستنسخًا من سياسي إلى آخر».

QOSHE - مقاولون سياسيون وتجّار سياسة - بسام ضو
menu_open
Columnists Actual . Favourites . Archive
We use cookies to provide some features and experiences in QOSHE

More information  .  Close
Aa Aa Aa
- A +

مقاولون سياسيون وتجّار سياسة

5 6
06.04.2024

كثُرت الأسئلة عن ماهية العمل السياسي في لبنان ومدى التزامه مبادىء العلوم السياسية، بدءًا من تحليل المجرى السياسي اللبناني وتعريف الحياة السياسية اللبنانية ومبدئية تطورها وأهميتها ومناهجها الفكرية وعلاقتها بالاختصاصات الأخرى الداعمة لسيادة الدولة.

كما من الضرورة في هذا المجال توصيف حالة الجمهورية اللبنانية وآلية ممارسة الحكم داخلها وعلى المستويين الإقليمي والدولي، إضافة إلى أنواع الحكومات التي تُشكل والآليات التي تمارس فيها سلطتها على أرض الواقع. من حيث المبدأ يوجِب علم السياسة علميًا وتفصيليًا درس نوّعية المسؤولين نوابًا، وزراء، رؤساء أحزاب، اختصاصيين، فعاليات، ودرس مؤسسات المجتمع المدني، وجماعات الضغط والمفاهيم الوطنية والحزبية، ومفهوم الرأي العام، وممارسة الديموقراطية في شكلها الموضوعي والمنهجي لا الهامشي... من خلال ما أُسْلِف يمكن الحكم على هيكلية النظام السياسي إذا كان من صنف الإنتاجي أو من صنفي المقاولة أو التجارة السياسية.

الوقائع المريرة للجمهورية اللبنانية تُشير الى احتمالية تعرّضها للتصدُّع التي أصبحت عليها واقعًا ملموسًا خصوصًا في مرحلة ما بعد إقرار وثيقة الوفاق الوطني (اتفاق الطائف)، والتي برزت فيها احتمالات الفوضى والتطاول على الحياة الدستورية وإهمال تطبيق القوانين والعودة إلى البدائل من........

© الجمهورية


Get it on Google Play