إن أسوء نتائج الحرب الدائرة في قطاع غزة بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس تتمثل بمعاناة المدنيين.

مدنيون فلسطينيون فقدوا حياتهم، وبعضهم لاتزال جثته مفقودة وتحت الأنقاض، ومدنيّون هائمون على وجوههم، يهربون من شمال غزة المدمر، إلى جنوبها المحاصر، ومدنيون يستغيثون العالم بأسره، مطالبين بوقف إطلاق الرصاص وإنهاء الحرب.

إنها حربٌ مجنونة لم يستشرهم أحدٌ حين قرر إطلاق رصاصتها، ولم يعرهم جيش الاحتلال الإسرائيلي أي انتباه، وهو يعاقبهم على ذنب لم يقترفوه، فعناصر كتائب القسام كما سرايا القدس في الأنفاق تحت الأرض، يفرح ببطولاتهم البعض في عالم التواصل الاجتماعي، وينكر عليهم آخرون ما قاموا به، جعل غزة مدينة أشباح، لا وقت لسكانها أحياناً للتفكير بغدٍ أكثر أمنا.

ولعل الحديث عن منصات التواصل الاجتماعي وبعض القنوات الإخبارية ذو شجون، لأنه يرتبط كماً وكيفاً بحجم القمع لأي رأي رافض للحرب ومشجع على إنهائها فوراً، والمعلومة هنا تغيب، ويُعاب على صاحبها ذكرها إن هو أراد نشر الوعي وشرح مآلات الأمور.

لتنشط في مقابل ذلك كله ماكينةٌ إعلامية ملشياوية، تريد لمنطقتنا العربية أن تعيش في ظل الحروب، دون النظر حتى لما خلفتها أعمال مليشيات إرهابية مسلحة تتبع لإيران مثل حزب الله و الحوثي والحشد الشعبي في بلدان محطمة مثل لبنان و اليمن والعراق.

والقفز على الحقائق الميدانية بات يتقنها كل من يريد لجمهور عريض أن يسمعه، فمن جالس في أوربا محاطاً بأفراد أسرته وهم منعمون، يحدثك وهو ممسكٌ بـ"خرطوم شيشته" منتظراً كأس العصير، عن ضرورة نصرة المقاومة وخيانات العرب، يسب الناس بأقذع الألفاظ، ثم ينصرف لهاتفه الذكي بنشر سموم الجهل و هو يدوس على على عذابات المنكوبين.

وهذا مثقفٌ - كما يزعم - يطلق العنان لخياله المريض في شرح تفاصيل النصر الأسطوري في غزة على يد من سماهم المقاومين، رافضاً تغيير تفصيل صغير في جدول يوميات حياته السعيدة، وموجهاً كلامه لأهل غزة بالصمود والتحدي للموت لأن هذا قدر الشعب الفلسطيني بحسب رؤيته القاصرة.

أشكالٌ و أصنافٌ متعددة لأناس منفصلين تماماً عن الواقع، همهم ربح" لايكات" وتحقيق أعلى نسب مشاهدات ، على حساب أهل غزة المكلومين بفقدان ذويهم وطبيعة حياتهم البسيطة قبل الحرب الكارثية الدائرة منذ أشهر بشكل متواصل.

وأما إيران التي يمتدحها متأيرنون جاهلون، فإنها نأت بنفسها عن هذا الصراع الذي زعمت على مدار عقود أنها معنيةٌ بدعم أهله، وتنكرت حتى قيادات نظام طهران لطوفان الأقصى منذ ساعاته الأولى، وأمرت حسن نصر الله زعيم مليشيات حزب الله أن يقول في خطابه الشهير : لا علم لنا في محور المقاومة بما خطط له يحيى السنوار.

بل إن المرشد الإيراني علي خامنئي قالها بالحرف لـ إسماعيل هنية زعيم حماس: "نصرتكم بالقول والدعاء الآن هي استراتيجية إيران التي تتبنى منطق الصبر الاستراتيجي"، و أما جواد ظريف وزير خارجية إيران السابق، فقد كررها علناً على مسامع الجميع : نصرة المستضعفين في غزة لا تعني بالضرورة قتال إيران معهم أو عنهم، و نكتفي بتأييدهم سياسياً.

و لتستمر جوقة الذين نصبوا أنفسهم زوراً "ناطقين رسميين بإسم غزة" في سرد القصص البعيدة عن التصديق، ها هم اليوم يرون فلسطين سلعةً للمتاجرة في سوق عروضهم البهلوانية إعلامياً، و ينكرون كل صرخة وجع من غزة لأم فلسطينية فوق جثة طفلها أو ركام منزلها، ويصوبون سهام التخوين لدول عربية بعينها وشخصيات محترمة كل يوم.

و ما أود قوله يا سادة: إن غزة ليست مادة إعلامية بقدر ما تكون حكاية بؤس مرعبة لشعب أعزل، يرفض العدوان الإسرائيلي كما يرفض المغامرات الإيرانية ، و بودي أن يخرج العقلاء - إن وجدوا هنا أو هناك - ليقولوا لمن ضمته أرض غزة و نام فيها ميتاً: ارقدوا بسلام.. هذا الخطأ لن يتكرر ثانيةً.. والسلام هو الحل.

QOSHE - الناطقون الرسميون باسم غزة - عبدالجليل السعيد
menu_open
Columnists Actual . Favourites . Archive
We use cookies to provide some features and experiences in QOSHE

More information  .  Close
Aa Aa Aa
- A +

الناطقون الرسميون باسم غزة

66 0
15.05.2024

إن أسوء نتائج الحرب الدائرة في قطاع غزة بين الجيش الإسرائيلي وحركة حماس تتمثل بمعاناة المدنيين.

مدنيون فلسطينيون فقدوا حياتهم، وبعضهم لاتزال جثته مفقودة وتحت الأنقاض، ومدنيّون هائمون على وجوههم، يهربون من شمال غزة المدمر، إلى جنوبها المحاصر، ومدنيون يستغيثون العالم بأسره، مطالبين بوقف إطلاق الرصاص وإنهاء الحرب.

إنها حربٌ مجنونة لم يستشرهم أحدٌ حين قرر إطلاق رصاصتها، ولم يعرهم جيش الاحتلال الإسرائيلي أي انتباه، وهو يعاقبهم على ذنب لم يقترفوه، فعناصر كتائب القسام كما سرايا القدس في الأنفاق تحت الأرض، يفرح ببطولاتهم البعض في عالم التواصل الاجتماعي، وينكر عليهم آخرون ما قاموا به، جعل غزة مدينة أشباح، لا وقت لسكانها أحياناً للتفكير بغدٍ أكثر أمنا.

ولعل الحديث عن منصات التواصل الاجتماعي وبعض القنوات الإخبارية ذو شجون، لأنه يرتبط كماً وكيفاً بحجم القمع لأي رأي رافض........

© العين الإخبارية


Get it on Google Play