إذا كانت الدبكة والتبولة والحمص من أشهر مقوّمات الفلوكلور اللبناني، فإن التهريب عبر المعابر المتفلتة من أعظم ما سيُكتَب بتاريخ عهدٍ أحكم على اللبنانيين جميع أنواع التعذيب، في بلد بات منكوباً، وتحوّل إلى مساحة واحدة سكّانها جياع “لعيون الحليف وما يُسميها بالشقيقة”. وبكل وقاحة، بات التهريب “مشرَّعاً”، إذ يعتبر حزب الله على لسان أحد مشايخه، صادق النابلسي أن “التهريب جزء لا يتجزّأ من عملية المقاومة والدفاع عن مصالح اللبنانيين”.

وإذا تطلّعنا إلى شريط مسلسل “العهد القوي”، يمكننا أن نرى الكوارث الاقتصادية ـ المالية ـ الاجتماعية التي خلّفها، ولا يزال، تهريب المحروقات والأدوية والطحين عبر المعابر غير الشرعية بين لبنان وسوريا، بتغطية شرعية، من بعبدا إلى الضاحية مروراً بوزارات المالية والأشغال والاقتصاد، وحتى البلديات.

ولا بدّ من أن التهريب عبر الحدود، كان نشطاً في العهود ما قبل عهد الرئيس ميشال عون. إلاّ أن هذا العهد المشؤوم الآفل، سلّم حزب الله وشقيقته الحدود، و”شال الأكل من تمّ اللبنانيين” لإطعام النظام السوري. أما التداعيات الاقتصادية، فلا تهمّه ولا تعنيه.

في هذا السياق، تقول الخبيرة الاقتصادية ليال منصور، في حديث إلى موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، إن “تهريب البضائع، لا سيما المدعومة، عزَّز بقسمٍ كبير جداً الفقر والجوع في المجتمع اللبناني خلال السنوات الأربع الماضية”، محمِّلةً “مصرف لبنان جانباً من المسؤولية عن انتعاش عمليات التهريب عبر الحدود مع سوريا، من خلال استهلاك الدولار، وبسرعة”.

وتستدرك منصور، مشيرة إلى أن “هذا لا يعني أننا كنا سنتجنّب الانهيار، لكن هذا الملف سرَّعه بشكل كبير”. وتوضح، أن “ازدياد التهريب كان نتيجة سياسة الدعم التي انتهجها مصرف لبنان، من خلال دعم المحروقات والطحين والقمح، وغيرها، التي تباع في لبنان بأقل من كلفتها. ووصلت الأمور إلى درجة أنه إذا توازت أسعار المحروقات بين لبنان وسوريا إلى حدٍّ ما، يرفعوها في دمشق لتهريبها من لبنان (لتكون التهريبة حرزانة)”.

وتلفت، إلى أن “تهريب الأدوية برز ولا يزال بشكل مخيف، على حساب صحة المواطنين و(البهدلة)”، مشيرة إلى أن “أسعار السلع التي بقيت في لبنان شهدت وتشهد ارتفاعاً جنونياً غير مسبوق، نتيجة تداعيات التهريب اللا محدود، وتعزَّزت السوق السوداء، وفلتت الأمور بطريقة لا مثيل لها عبر تاريخ لبنان”.

وتوضح منصور، أنه “قبل الانهيار الاقتصادي الحاصل، من اللافت أن هناك أيضاً التهرّب الضرائبي الذي يتطلّب سلطة رقابية قوية. لكن بفعل مسك القضاء والوزارات المعنية بأيادي زعماء التهريب وحلفائهم، (لا رقابة ولا ما يحزنون)”.

وتضيف، “بناءً على دراسة في العام 2020، لبنان هو من أكثر البلدان في العالم الذي يتهرّب من الضريبة، إذ تبلغ نسبة التهرب على المستوى العالمي في الدول التي تعتمد الشفافية والمحاسبة 0.86% كمعدل وسطيّ، أما في لبنان فالنسبة كارثية وفي تصاعد مستمر”، لافتة إلى أن “التهريب عبر الحدود عزّز التهرّب الضريبي بشكل أكبر، وبطبيعة الحال ضرب الموازنات، والأرقام المعلنة عند كل استحقاق للموازنة العامة خلال هذه السنين أكبر دليل”.

وتشير منصور، إلى أن “المستفيد الأول من التهريب عبر الحدود، حزب مُصنّف إرهابياً، ضرب علاقاتنا مع الدول الخارجية، لا سيما الخليجية، مما وضع لبنان تحت ضغط سياسي واقتصادي لا أذكر أننا عشناه من قبل”.

وتنوّه، إلى أن “عمليات التهريب تنعكس بشكل مباشر على المودعين اللبنانيين، إذ إن الدولة تقتطع من ودائعهم لدعم المواد الأساسية، لتُباع على سعر صرف 1.500 ليرة للدولار الواحد، أو 3.950 ليرة كحدّ أقصى. في حين تقوم مافيات بتهريبها إلى خارج لبنان وتبيعها على سعر صرف السوق السوداء، الذي تخطى الـ40.000 ل.ل. حالياً، لتستفيد هي منها، بينما يتقاتل مواطنون على ما تبقى من تلك السلع على رفوف المتاجر”.

من هنا، لا بدّ من الإشارة إلى أنه منذ اللحظة الأولى لهذه الكارثة، طالبت قوى وأحزاب لبنانية، في مقدمتها حزب القوات اللبنانية، بالوثائق والأدلة، بالتحقيق في قضية التهريب إلى سوريا وضبط الحدود. لكن حزب الله وحليفه التيار الوطني الحر، المتحكِّمَين برأس العهد وأياديه، يعتقدان أن ضبط الحدود يجب أن يتم بالتعاون بين البلدين، و”هون بيت القصيد”.

ويوضح عضو تكتل الجمهورية القوية النائب زياد الحواط، في حديث لموقع “القوات”، أن “المعابر غير الشرعية التي كانت مستحدثة لا تزال مفتوحة من وإلى لبنان، ولا قرار رسمياً ولا تحرك من مجلس الدفاع الأعلى لتسكيرها. وكلنا نعرف أن 70% من هذه المعابر يُسيطر عليها حزب الله، وهي مدخول كبير جداً للمنظومة ومؤسسات الحزب”.

ويلفت الحواط، إلى أنه “تقدَّم بإخبار إلى النيابة العامة التمييزية، وإخبار آخر إلى النيابة العامة المالية، ولا أحد تحقَّق منهما. بالتالي، ليُخبرنا الرئيس عون ماذا فعل بعد أن أعطيته أسماء المهرِّبين والشركات؟ وأي معبر أقفله؟ مشيراً إلى أن “هناك أموراً خطيرة تحصل بعِلم عون ومعرفته، إذ إن التهريب بات مُشرَّعاً عبر الحدود الشرعية أيضاً، بإشراف بعض القوى الأمنية. بالتالي، عون وتركيبته شكَّلوا الغطاء الواضح لأيادي حزب الله وسلاحه”.

ويناشد، بـ”ضرورة انتخاب رئيس جمهورية (عندو ركاب) لتسكير المعابر غير الشرعية، وضبط الشرعية منها، بين لبنان وسوريا. رئيس يُنفّذ استراتيجية دفاعية، وينتشل البلد من أزمته السياسة والاقتصادية، خصوصاً بما يخصّ التهريب، لأن ما وصل إليه اللبنانيون نتيجة هذا الملف، لم يشهد البلد مثيلاً له في تاريخه”.​

QOSHE - خاص ـ 6 سنوات من “حلّ الرْكاب كرمال الحزب”… “كان يعلم” بالتهريب - أنطونيلا زخيا
menu_open
Columnists . News Actual . Favourites . Archive
We use cookies to provide some features and experiences in QOSHE

More information  .  Close
Aa Aa Aa
- A +

خاص ـ 6 سنوات من “حلّ الرْكاب كرمال الحزب”… “كان يعلم” بالتهريب

2 4 11
30.10.2022

إذا كانت الدبكة والتبولة والحمص من أشهر مقوّمات الفلوكلور اللبناني، فإن التهريب عبر المعابر المتفلتة من أعظم ما سيُكتَب بتاريخ عهدٍ أحكم على اللبنانيين جميع أنواع التعذيب، في بلد بات منكوباً، وتحوّل إلى مساحة واحدة سكّانها جياع “لعيون الحليف وما يُسميها بالشقيقة”. وبكل وقاحة، بات التهريب “مشرَّعاً”، إذ يعتبر حزب الله على لسان أحد مشايخه، صادق النابلسي أن “التهريب جزء لا يتجزّأ من عملية المقاومة والدفاع عن مصالح اللبنانيين”.

وإذا تطلّعنا إلى شريط مسلسل “العهد القوي”، يمكننا أن نرى الكوارث الاقتصادية ـ المالية ـ الاجتماعية التي خلّفها، ولا يزال، تهريب المحروقات والأدوية والطحين عبر المعابر غير الشرعية بين لبنان وسوريا، بتغطية شرعية، من بعبدا إلى الضاحية مروراً بوزارات المالية والأشغال والاقتصاد، وحتى البلديات.

ولا بدّ من أن التهريب عبر الحدود، كان نشطاً في العهود ما قبل عهد الرئيس ميشال عون. إلاّ أن هذا العهد المشؤوم الآفل، سلّم حزب الله وشقيقته الحدود، و”شال الأكل من تمّ اللبنانيين” لإطعام النظام السوري. أما التداعيات الاقتصادية، فلا تهمّه ولا تعنيه.

في هذا السياق، تقول الخبيرة الاقتصادية ليال منصور، في حديث إلى موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، إن “تهريب البضائع، لا سيما المدعومة، عزَّز بقسمٍ كبير جداً الفقر........

© Lebanese Forces


Get it on Google Play