بالصدفة، وقع نظر رنا على عشرات الحقن المخدرة مرمية في حديقة المنتجع الذي تسكن فيه. صدمت للوهلة الأولى لهول ما رأت، محاولة استيعاب حجم الأذى الذي تعرض له هؤلاء الشباب. لم يمضِ ساعات على الصدمة الأولى حتى لاحظت في اليوم التالي، عندما كانت تجلس على الشاطئ للاستماع بشمس أيار الخجولة، مجموعة من الشباب التي لم يتجاوز عمر كبيرهم الـ20 عاماً، تدخن بطريقة غير تقليدية (حشيشة الكيف)، وكأن كل التجاوزات تحصل “بعز دين النهار، وعلى عين الجميع، وآخر همّ”.

“تسعون في المئة من الموقوفين في سجون لبنان هم من مدمني المواد المخدرة”. هذا التصريح لرئيس الهيئة العربية لمكافحة المخدرات، المدرب الدولي محمد عثمان.

أما تقرير المخدرات العالمي لعام 2022 الصادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، تعاطى حوالي 284 مليون شخص تتراوح أعمارهم بين 15 و64 عاماً المخدرات في جميع أنحاء العالم، بزيادة قدرها 26 في المئة عن العقد السابق. استندنا الى أرقام الأمم المتحدة، لأن لبنان يفتقر الى أي إحصاءات رسمية أو أرقام دقيقة حول ملف الإدمان والمدمنين، لكن الأكيد أن تزايد المشاكل والإهمال يضاف إليهما انخفاض سلّم القيم المجتمعي، يسهلون من عملية التعاطي كما من آلية الحصول على المادة المخدرة، في بلد “لاك الكون صيته” بتهريب الممنوعات وتصنيعها.

وفي هذا السياق، تعيد رئيسة دائرة المعالجين النفسيين في “القوات اللبنانية” سيسيليا ضومط، ازدياد ظاهرة تعاطي المخدرات من بدايتها الى الخطوة الأكثر تقدماً وخطورة، الى تزايد المشاكل العائلية والأسرية في مجتمعنا والضغوط النفسية، ما يدفع عدداً كبيراً من الشباب، الى تعاطي المخدرات الذي تحوّل الى عملية مألوفة بالنسبة إليهم.

وتلفت في حديث لموقع “القوات اللبنانية” الإلكتروني، إلى تأثير “المدمنين” السلبي والمباشر على غير المدمنين، وتحويل ما هو خطير وغير مألوف الى شيء عادي وسليم، في الوقت الذي يعتبر هروباً من الواقع، وبحثاً عن رضا وراحة وفرح بطريقة اصطناعية. وإذ تشدد على تزايد أرقام المدمنين، تؤكد في المقابل غياب الأرقام الرسمية، وتضيف، “الخطر الأكبر يعاني منه الشباب المحصن الذي يريد حماية نفسه، فيجد نفسه أمام خيارين، إما الانخراط في دوامة الإدمان وإما تخليّ المجموعة عنه”، متمنية على الشباب عدم الانجرار الى ابتزاز “التجربة”، الذي قد يتحول الى خطر على الحياة.

وتوضح أن تعاطي المخدرات بالحقن، مرتبط بمجتمعات وإمكانات وبيئة هؤلاء الشباب، عازية سبب تكاثر هذه الظواهر الى انخفاض رقابة الأهل المتلهّين بضغوط الحياة اليومية، ومحاولة إنكارهم الواقع الأليم وأن “ولدي يتعاطى”، كما تشير الى أن الجميع معرض للانخراط في هذه الدوامة الخطيرة، وعلى الأهل فرض سلطتهم وحضورهم، بمحبة واحتضان، لأن معظم الأوقات التي يتم اللجوء فيها الى المواد المخدرة، تكون بحثاً عن الحب والراحة.

لكن لماذا بتنا نرى ظاهرة التعاطي “على المفضوح”؟، تجيب ضومط، “لغياب الرقابة من جهة وعدم احترام السلطة من جهة ثانية”، مشددة على أن كل شيء يبدأ من العائلة، ليعود وينعكس على مجتمعنا، كما تتوقف عند غياب الدولة عن القيام بواجباتها وتراجع سلم القيّم مقابل ازدياد القيام بالممنوعات.

وتشير الى أننا نشهد اجتماعياً، على مراحل، مرة تكون المبادئ فيها عالية وقوية، وفي فترة أخرى تتلاشى وتتراجع، وهذا ما نعيشه اليوم، طالبة من العائلة أن تقويّ “الأنا العليا” لدى أولادها وشبابها، وتضيف، “اذا عاش الأولاد مع أهل متفلتين، من الطبيعي أن يكونوا هم أنفسهم متفلتين، وهذا أمر طبيعي”، مشددة على ضرورة العودة الى الوسائل التقليدية كالاستماع الى الموسيقى وممارسة الرياضة ولقاءات الأهل والأصدقاء الحقيقيين في أيام الضيق، بدل الانجرار الى دوامة الإدمان.

QOSHE - “جيل مخدَّر ع المفضوح”… رقابة الأهل ساقطة والدولة غائبة - فريق موقع القوات اللبنانية
menu_open
Columnists Actual . Favourites . Archive
We use cookies to provide some features and experiences in QOSHE

More information  .  Close
Aa Aa Aa
- A +

“جيل مخدَّر ع المفضوح”… رقابة الأهل ساقطة والدولة غائبة

3 0
29.05.2023

بالصدفة، وقع نظر رنا على عشرات الحقن المخدرة مرمية في حديقة المنتجع الذي تسكن فيه. صدمت للوهلة الأولى لهول ما رأت، محاولة استيعاب حجم الأذى الذي تعرض له هؤلاء الشباب. لم يمضِ ساعات على الصدمة الأولى حتى لاحظت في اليوم التالي، عندما كانت تجلس على الشاطئ للاستماع بشمس أيار الخجولة، مجموعة من الشباب التي لم يتجاوز عمر كبيرهم الـ20 عاماً، تدخن بطريقة غير تقليدية (حشيشة الكيف)، وكأن كل التجاوزات تحصل “بعز دين النهار، وعلى عين الجميع، وآخر همّ”.

“تسعون في المئة من الموقوفين في سجون لبنان هم من مدمني المواد المخدرة”. هذا التصريح لرئيس الهيئة العربية لمكافحة المخدرات، المدرب الدولي محمد عثمان.

أما تقرير المخدرات العالمي لعام 2022 الصادر عن مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، تعاطى حوالي 284 مليون شخص تتراوح أعمارهم بين 15 و64 عاماً المخدرات في جميع أنحاء العالم، بزيادة........

© Lebanese Forces


Get it on Google Play