في ظل معطياتٍ دولية ومحلية مختلفة، كان يمكن للبنان أن يتوصّل إلى اتفاق “أفضل” لترسيم الحدود البحرية بينه وبين إسرائيل. لكن بما أن الغرب يستعجل إيصال النفط والغاز إلى أوروبا بعدما قررت القارة العجوز إعلان “القطيعة” مع روسيا، وبما أن لبنان منهارٌ اقتصادياً ومالياً ومعيشياً وانمائياً ورئيس جمهوريته يبحث عن انجازٍ سريع يقدّمه إلى اللبنانيين لتبييض صورته في نظرهم عشية مغادرته قصر بعبدا، فإن الاتفاق “الترسيمي” الذي تم الإعلان عنه في الساعات الماضية، هو “أفضل الممكن”، وفق ما تقول مصادر اقتصادية لموقع القوات اللبنانية الالكتروني.

فبغضّ النظر عن الخلفية “السياسية” للاتفاق، إذ لا يمكن إلا التوقّف عند تسهيل حزب الله المُطلق للتفاهم مع “الكيان الغاصب”، وعند عدم مزايدته على الدولة اللبنانية عبر مطالبته بالخط 29، مكتفياً بالوقوف خلفها في ما تقرره، تشير المصادر إلى أن الضاحية وبعبدا التقتا على استعجال التفاهم.. لماذا؟ لأنهما تريان فيه مدخلاً إلى انقاذ لبنان اقتصادياً. أمس، قال رئيس الجمهورية ميشال عون إن “انجاز اتفاقية الترسيم سينتشل لبنان من الهاوية التي أُسقِط فيها”. أما الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله فبارك للبنانيين الثلاثاء، بالاتفاق الذي سيتيح للبنان “أكل العنب”.

فهل فعلاً انتهت مصائب لبنان وانطلق قطار الخلاص الاقتصادي، من بوابة النفط والغاز؟ بحسب المصادر، من المبكر جداً الإجابة عن هذا السؤال. فاليوم، يجب تبيان ما اذا كانت الحقول اللبنانية وابرزها حقل قانا غنية فعلاً بالنفط والغاز. وهنا، يجب انتظار بيانٍ من شركة “توتال” يشرح خطة عملها “الميداني” في المرحلة المقبلة والذي سيبدأ فور توقيع الاتفاق بين لبنان وإسرائيل. ووفق المصادر، أمام الشركة الفرنسية، 3 سنوات لإنهاء مرحلة الاستكشاف الأولى في حقل قانا، لكن تقنيّاً، يمكنها ان تنتهي من الاستكشاف قبل هذه المدة الزمنية.

وفي حال تبيّن أن الحقل غني بالثروات وبدأت “توتال” بالتنقيب والاستخراج، فإن عملية جني الأرباح لن تحصل بين ليلة وضحاها. حتى أن قطف ثمار ثرواتنا المدفونة في البحر، سيكون مستحيلاً، إذا لم يتم الإعداد له بسلسلة خطوات تمهيدية. فبحسب المصادر، لا بد من انشاء صندوق سيادي قادر على أن يدير الثروة المحتملة، على أن يكون صندوقاً مستقلاً فعلاً وبعيداً عن سيطرة القوى السياسية الفاسدة التي أثبتت على مر السنوات الماضية، مدى فسادها، فأوصلت البلادَ إلى الانهيار الذي هي فيه اليوم. والحال أنه إذا لم يُحسن لبنان إدارة ملف التنقيب والغاز، وإذا بقي أهل المنظومة نفسُهم متحكّمين به، فإن عائداته المفترضة ستذهب “في البحر”، وستتبدد من دون أن يدخل قرشٌ واحد منها إلى الخزينة اللبنانية الخاوية، وستتحوّل النعمة “النفطية” إلى نقمة وإلى مزراب لمزيد من الخسائر والفقر، فالجدير ذكره أن الدول النفطية ليست كلّها غنية، بل عدد لا بأس به منها، فقير، وشعبُها جائع.

ويبقى أيضاً، أنه من الضروري معرفة تفاصيل التسوية التي ستحكم تقاسمَ ثروات قانا، بين لبنان واسرائيل. فحتى الساعة، الصورة غير واضحة: هل ستدفع “توتال” من أرباحها الحصةَ التي تطالب بها تل أبيب؟ أم أنه سيكون تشارك للأرباح بين الدولتين وفق ما استُشفّ من الصيغة التي تم تسريبها أمس للاتفاق؟

انطلاقاً من كل هذه المعطيات، تشير المصادر إلى أن من السابق لأوانه التهليل لخروج لبنان من حفرته. لكن الأكيد أن الترسيم “فرصة ذهبية” للبلد الصغير، إذا لم يضيّعها مسؤولوه، ستضعه على سكّة النهوض وتُعيد إلى شعبه الأملَ بغدٍ أفضل ولو بعد حين.

QOSHE - خاص ـ لبنان بانتظار “تشريح” توتال… العين على “الصندوق” - نور لمع
menu_open
Columnists . News Actual . Favourites . Archive
We use cookies to provide some features and experiences in QOSHE

More information  .  Close
Aa Aa Aa
- A +

خاص ـ لبنان بانتظار “تشريح” توتال… العين على “الصندوق”

3 1 32
13.10.2022

في ظل معطياتٍ دولية ومحلية مختلفة، كان يمكن للبنان أن يتوصّل إلى اتفاق “أفضل” لترسيم الحدود البحرية بينه وبين إسرائيل. لكن بما أن الغرب يستعجل إيصال النفط والغاز إلى أوروبا بعدما قررت القارة العجوز إعلان “القطيعة” مع روسيا، وبما أن لبنان منهارٌ اقتصادياً ومالياً ومعيشياً وانمائياً ورئيس جمهوريته يبحث عن انجازٍ سريع يقدّمه إلى اللبنانيين لتبييض صورته في نظرهم عشية مغادرته قصر بعبدا، فإن الاتفاق “الترسيمي” الذي تم الإعلان عنه في الساعات الماضية، هو “أفضل الممكن”، وفق ما تقول مصادر اقتصادية لموقع القوات اللبنانية الالكتروني.

فبغضّ النظر عن الخلفية “السياسية” للاتفاق، إذ لا يمكن إلا التوقّف عند تسهيل حزب الله المُطلق للتفاهم مع “الكيان الغاصب”، وعند عدم مزايدته على الدولة اللبنانية عبر مطالبته بالخط 29، مكتفياً بالوقوف........

© Lebanese Forces


Get it on Google Play