بشّرتنا دولتنا العليّة برفع تعرفة الكهرباء “المطفيّة”، للمرة الأولى منذ تسعينيات القرن الماضي، تحت حجّة ضمان رفع ساعات التغذية، وكأن جيبة اللبناني “بعد ناقصها” دفع بلا تقديمات.
حتى مع حلول العتمة الشاملة، وكالعادة، قرارات بلا دراسة، وأرقام بلا حسابات، وتداعيات لا حول ولا قوة للمواطنين في مواجهتها. فما هي القراءة الاقتصادية لهذا القرار والأرقام الجديدة للفواتير؟ وكيف نضمن دفع الجباية من الجميع وضبط التعديات، أو سيظل ناس بسمنة وناس بزيت؟ وما الخلفيات السياسية لهذا القرار؟ وهل سيقبل مصرف لبنان تحويل أموال الموجبات على سعر “صيرفة” لشراء الفيول؟
للإضاءة على مختلف جوانب هذه المسألة وتداعياتها، يوضح أحد الخبراء الدوليين في شؤون الطاقة والكهرباء، في حديث إلى موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، أن “رفع التعرفة يكون عادةً لتغطية الكلفة، لكن الجميع يعلم أن مؤسسة كهرباء لبنان فيها ما يكفي من الهدر والفساد، وطالما أننا لا نستطيع المعالجة، يعني أن رفع التعرفة لم يعد لتغطية الكلفة بل لتغطية الفساد الذي أوقف تحصيل الأموال نتيجة قطع الكهرباء”.
ويلفت الخبير ذاته، الذي فضَّل عدم الكشف عن اسمه تجنُّباً للدخول في مهاترات سياسية قد يلجأ إليها البعض، إلى أنه “في أيام العزّم، وقبل العام 2019، كانت جباية الكهرباء 800 مليون دولار سنوياً على سعر 9 سنت للكيلوات، وكانت نسبة الهدر 40%، معظمها خسائر غير تقنية، أي الهدر نتيجة عدم جباية الفواتير، أو عدم تسجيل الاستهلاك على ساعات وعدادات الكهرباء كي تأتي الفاتورة مطابقة لنسبة الاستهلاك”.
ويضيف، “بالتالي، إن رفع التعرفة سيكون عملياً على الناس التي تدفع، علماً أن نسبة المواطنين الذين يقومون بدفع الفواتير ستنخفض نتيجة ارتفاعها وعجزهم عن سدادها تبعاً للأوضاع المعيشية المعروفة. ما يعني أننا فعلياً نغطِّي الهدر بمزيد منه، بحجة توفير الأموال لشراء الفيول للمعامل”، مشدداً على أنه “طوال السنوات الماضية لم يتم اعتماد أي إصلاحات حقيقية أو آليات علمية صحيحة للمعالجة، فكيف الآن وبسحر ساحر ستُعالج كل التداعيات بمجرد رفع التعرفة؟”
ويؤكد الخبير عينه، أن “45% من الدين العام اللبناني متأتٍّ من أزمة القطاع الكهربائي، منها 700 مليون دولار للعقود التشغيلية فقط، ورفع التعرفة الآن يزيد الدين. ومهما كان رقم الزيادة، وبغض النظر عن كيفية التلاعب بالأرقام، فهو على أرض الواقع ليس إلاّ نوعاً من جباية معينة ستكون ثلثها لتغطية كلفة الفيول وثلثَيها للهدر والفساد”، متسائلاً عن أن “هناك فواتير لعدّادات متأخرة سنة ونصف وحتى سنتين، كيف ومن سيضمن لنا قراءة العدّادّات باللحظة التي تزيد فيها التعرفة وتُسجّل ما يُصرَف كهربائياً”؟
ويعتبر، أن “هناك خبصة كبيرة في هذا الملف، وعملية إلهاء للرأي العام والخبراء بتفاصيل تنفيذ القرار ومسألة الأرقام، وكأن المشكلة تُحل الآن بمجرد قرار. بيد أن هناك مسؤولين ومعنيين يعيشون من الفساد والتفلّت المالي في كهرباء لبنان، من خلال عقود التشغيل والصيانة وطرق الجباية، ومع انقطاع الأموال بعدما انقطعت الكهرباء طوال السنوات الماضية، أتى رفع التعرفة تحت حجّة 5 ساعات تغذية مقابل تأمين التمويل السياسي لإعادة تدفق مالي لخزينة كهرباء لبنان”.
ويلفت، إلى أن “المخيمات الفلسطينية والسورية لها تأثير كبير بهذا الملف، لكنها تبقى تفصيلاً صغيراً وحجّة أمام الصفقات والهدر الخيالي المكشوف بالأرقام، ولا أحد يستطيع ضبطه”، مشيراً إلى أننا “قبل العام 2019، أثبتنا أن الـ45% من الهدر الكهربائي عبارة عن سرقات وتمريرات، ومخيمات اللاجئين والنازحين جزء منه”.
ويوضح، أن “هذا القطاع بالنسبة للبعض مصدر للاستثمار والانتفاع وتحصيل أرباح خيالية، عبر الكلفة التشغيلية أو كلفة الفيول، أو غير ذلك. وهؤلاء يهمّهم أن يبيّنوا أن قطاع الكهرباء عاجز دائماً لضمانة تغطية فسادهم، وعدم السماح للحوكمة أن تلعب دورها”.
بالتالي، سيبقى المواطن في الدوامة نفسها، وفق الخبير نفسه، “أي الدفع للناهبين”، معرباً عن اعتقاده بأنه “لن يكون هناك ضبط للجبايات، ولا لمراقبة الساعات والعدادات، والسياسات المتبعة وقرار رفع التعرفة (لا بقدّم ولا بأخّر) بالنسبة للمواطن”، ومعتبراً أن “هذا القرار هو أكثر من جريمة، لأنه سيسمح بشكل واضح جداً بإعادة التمويل السياسي من دون تأمين ساعات تغذية إضافية كما يعدون”.
ويؤكد، أن “مصرف لبنان سيقبل تحويل الموجبات على سعر صيرفة لشراء الفيول ظاهرياً، لكن العملية ستكون خسارة بالنسبة له، علماً أنه سيغطيها من صرف أموال المودعين والاحتياط الالزامي، مما سيزيد من سرعة الإفلاس والانهيار. وليس مستبعداً أن نلحظ انخفاض منسوب الضغط على حاكم البنك المركزي والمطالبة بتغييره، بعد هذه العملية”.
ويوضح، أن “ما يحصل في لبنان حالياً، لعبة سيئة جداً، بدأت بقطاع الاتصالات وتنتقل للكهرباء، وغداً مع قطاعات كثيرة، أي رفع التعرفة من دون خفض التكلفة، لأن التكلفة تحمي التمويل السياسي”. وعلى سبيل المثال، يشير، إلى “ما حصل في قطاع الاتصالات، إذ بدلاً من رفع التسعيرة، كان يجب إلغاء نصف أعمدة الاتصالات، لأننا يمكننا شبك أكثر من 4 شركات على عامود واحد، فينخفض حجم زيادة التسعيرة 50%. لكنهم لا يقدمون على هذه الخطوة لأن عقود الصيانة والتشغيل مرتبطة بعدد الأعمدة، والتمويل السياسي يتمّ عبر هذه العقود. والسيناريو نفسه يطبَّق اليوم على قطاع الكهرباء”.
ويعتبر الخبير الدولي في شؤون الطاقة والكهرباء، أن “البنك الدولي كان عليه رفض زيادة التعرفة في الكهرباء قبل خفض التكلفة. لكن يبدو أن لبنان بات ساحة تستخدم أكثر من أي وقت مضى، لتمرير اتفاقيات دولية وإقليمية كبرى، ما يجعل البعض يغضّ النظر عن بعض السرقات والفساد، فضلاً عن الإصلاحات الجدية المطلوبة”.
خاص ـ رفع تعرفة الكهرباء… “تلت للفيول وتلتين للفساد”
بشّرتنا دولتنا العليّة برفع تعرفة الكهرباء “المطفيّة”، للمرة الأولى منذ تسعينيات القرن الماضي، تحت حجّة ضمان رفع ساعات التغذية، وكأن جيبة اللبناني “بعد ناقصها” دفع بلا تقديمات.
حتى مع حلول العتمة الشاملة، وكالعادة، قرارات بلا دراسة، وأرقام بلا حسابات، وتداعيات لا حول ولا قوة للمواطنين في مواجهتها. فما هي القراءة الاقتصادية لهذا القرار والأرقام الجديدة للفواتير؟ وكيف نضمن دفع الجباية من الجميع وضبط التعديات، أو سيظل ناس بسمنة وناس بزيت؟ وما الخلفيات السياسية لهذا القرار؟ وهل سيقبل مصرف لبنان تحويل أموال الموجبات على سعر “صيرفة” لشراء الفيول؟
للإضاءة على مختلف جوانب هذه المسألة وتداعياتها، يوضح أحد الخبراء الدوليين في شؤون الطاقة والكهرباء، في حديث إلى موقع القوات اللبنانية الإلكتروني، أن “رفع التعرفة يكون عادةً لتغطية الكلفة، لكن الجميع يعلم أن مؤسسة كهرباء لبنان فيها ما يكفي من الهدر والفساد، وطالما أننا لا نستطيع المعالجة، يعني أن رفع التعرفة لم يعد لتغطية الكلفة بل لتغطية الفساد الذي أوقف تحصيل الأموال نتيجة قطع الكهرباء”.
ويلفت الخبير ذاته، الذي فضَّل عدم الكشف عن اسمه تجنُّباً للدخول في مهاترات سياسية قد يلجأ إليها البعض، إلى أنه “في أيام العزّم، وقبل العام 2019، كانت جباية الكهرباء 800 مليون دولار سنوياً على سعر 9 سنت للكيلوات، وكانت نسبة الهدر 40%، معظمها خسائر غير........
© Lebanese Forces
visit website