في عيد الصحافة اعتدنا أن نتكلم عن حرية الصحافة، وهي من المبادئ الأساسية في الانظمة الديموقراطية، وشرعيتها تنبع من حرية الرأي والتعبير لدى المواطنين كافة. في الانظمة الديمقراطية، يجري التركيز على كل ما يعيق حرية الصحافة، كجزء من الحرص على حرية الرأي والتعبير عند المواطنين. وفي لبنان ايضا، حيث ينص دستوره على أن النظام اللبناني برلماني ديموقراطي، وعلى وجوب احترام حرية الرأي والتعبير، تُواجَه التعديات المتعاظمة، كما ونوعا، على حرية الصحافة، بالتمسك بمبادئ الدستور. لكن ماذا لو كنا ندافع عن حرية الصحافة في لبنان، في نظام لم يعد لا برلمانيا ولا ديموقراطيا، وباتت حرية الرأي والتعبير تتحرك في هامش ضيّق، يرسم حدوده عنف السلاح ورقابته الدائمة على الحياة السياسية، إضافة الى الضغوط الاجتماعية، المذهبية والطائفية، وعدم تطبيق القانون، وهيمنة السلطة التنفيذية على السلطة القضائية؟ عندما تتعطل الديموقراطية ويتقلص هامش الحرية، كما في لبنان، لا تكفي المطالبة بالحفاظ على حرية الصحافة، بل يصبح لزاما التساؤل حول "صحافة الحرية": الى اي مدى لا تزال الصحافة وفيّة لسبب وجودها، ولم تتحول، رغم حفاظها على حرياتها هي، أداة لتشكيل رأي عام مطبِّع مع انتفاء الحرية والديموقراطية في المجتمع؟ فلنأخذ مثلا على ذلك، الانتخاب الرئاسي، وطريقة تغطية الصحافة لهذا الحدث. الانتخاب الرئاسي مثل صارخ حول تعطّل الديموقراطية وحرية النواب في انتخاب الرئيس، بحيث اصبحت هذه العملية كليا بيد الاطراف الخارجيين، الاقليميين والدوليين، بشكل فاضح لا لبس فيه. الصحافة، مع استثناءات قليلة، تغطي ما يجري وكأنه مسار طبيعي. تتوقف عند ما قالته فرنسا لفرنجية، ومطالبتها له بضمانات، وعرضها الضمانات على السعودية. تتوقف مليا عند الاتفاق السعودي- الايراني، وكل التساؤلات تدور حول انعكاسها على انتخاب رئيس للبنان. تتوقف طويلا عند تصريحات عبد اللهيان، وزير الخارجية الايراني، ومن بعده عند تصريحات البخاري، السفير السعودي في لبنان، ويبدأ التمحيص والتأويل في ما ارادا قوله وما لم يريداه. تكثر التحليلات في شأن مصير الانتخاب الرئاسي، لكن معظمها انطلاقا من رصد تحركات وتصريحات من خارج المسار الدستوري للانتخاب، ومن خارج سيادة الدولة، ومن خارج حرية المواطنين المفترض التعبير عنها من النواب، عبر تصويتهم بحرية لانتخاب رئيس للجمهورية. ترصد الصحافة مسار انتخاب رئيس لـ"الجمهورية"، وهي تؤكد في كل معلومة تعرضها، أنه لم يعد في لبنان جمهورية، لا من حيث اشتغال النظام السياسي، ولا من حيث استقلاليته عن الاملاءات الخارجية. الاخطر من كل ذلك، ان ما تعممه الصحافة وكأنه عملية طبيعية، يبتلعه الرأي العام كزوادة يجترها يوميا، بحوارات، تعمّق غربته، عما يتقرر في شأن مصيره البائس. هذا تحديدا، ما يجب أن تنتفض ضده الصحافة الحرة، بحيث لا تكتفي بالمطالبة بحرياتها هي. فلا حرية للصحافة، دون صحافة الحرية، وإلّا تكون الصحافة كمن يتنكر لأصله، اي الديموقراطية وحرية الرأي والتعبير لشعبها، فتجد نفسها في وضع تدافع فيه عن حرية تعميم فقدان الحرية. ماذا لو كنا، في عيد الصحافة، ندافع عن حرية الصحافة في وقت لم تعد الصحافة فيه صحافة الحرية، بل صحافة الامر الواقع كما في لبنان اليوم، حتى ولو كانت الصحافة تُعمِّمُ بحرية، القيم وطرق التفكير السائدة، في ظل غياب الديموقراطية والتضييق على حرية الرأي والتعبير؟