ستبقى هذه الحرب ماثلة في مخيّلاتنا.. وستضيف نكسة إلى ارتكاساتنا
عام مضى على عملية طوفان الأقصى بحلول السابع من تشرين الأول، ذاك اليوم الذي لم يكن كسائر أيام عام 2023، إذ استفاق العالم على نبأ عمليَّة أمنيَّة - عسكريَّة غير مَسبوقةٍ من حيث الوسائلِ والأسلوب، بحيث تفوّقت فيها الشجاعةُ والذّكاء الطبيعي على أحدث الأسلحة والذكاء الإصطناعي، نفَّذَها مئاتٌ من مقاتلي القسام في وجه المحتل الإسرائيلي دفاعاً عن أرضهم، ونجحوا خلال ساعاتِ معدودات في أسر حوالي مائتي وخمسين أسيراً؛ بالطبع لم يؤسر جميعُهم أحياء، وقبل أن يُلملم الكيان الإسرائيلي جراحه ويُحصي خسائره البشريَّة التي مُني بها أعلن رئيس وزرائه بنيامين نتنياهو الحَرب على مِحور المُمانعة بكلِّيَّته مُستنجداً بحلفائه الغربيين.
وبعد مرور سنة على هذه العمليَّة النوعيّة ثمة سؤال يطرح نفسه، وهو: هل كان يدري من خطَّط لها وحدَّد توقيت تنفيذها بأنه كان يُطلقُ شرارةَ حربٍ مفتوحة؟ وثمَّة تساؤلاتٌ أخرى تتمثل في ما إذا كانوا قد قدَّروا تبعاتِها؟ وهل بَنوا تقديراتهم على مُعطياتِ موثوقة، وقراءات صَحيحَة؟ هذا ما سنتطرق إليه في هذا المَقالِ من باب تقدير الموقف عسكريًّا وجيوسياسيًّا، بعد تشخيصٍ للوضع وتحليلٍ مُجرَّدٍ للمُعطيات وتقييمٍ موضوعي للمواقف الدوليَّة واستقراء منطقي لما سيحمله المُستقبل، علَّنا نستخلصُ العِبَر مما حصل ويحصل.
بادئ الأمر، لا بدَّ من الإنطلاق من مُسلَّمَةٍ تقوم على الإقرار بمشروعيَّة الدِّفاع عن النفس والوطن، وبالتالي من حق الشَّعب الفلسطيني الدِّفاع عن أرضه وعِرضه وشَرفه ضد المحتل في أي وقت ومكان وبأيَّةِ وسيلة، وأن يُسخِّرَ كل ما لديه من إمكانيَّاتٍ لعَدم تركهِ يشعر بالراحة على أرضه المُغتصبَة، وإلَّا اعتُبرَ مُتخلِّياً عن واجبه الوطني. ورغم ذلك تدعونا الموضوعيَّةُ للقول أن الجِهةَ التي قرَّرت هذه عمليَّة «طوفان الأقصى» لم تُحسن تَقدير العواقب، وبالتَّأكيد لست أعني هنا المنفذين الفلسطينيين التابعين لحماس التي أخرجتها إيران من عباءة منظمة التَّحرير الفلسطينيَّة، وعملت على تدريب عناصرها ودعمها سياسيًّا وماليًّا وتسليحاً ولوجستيًّا، ويرى البعضُ أن اتِّخاذَ قرارٍ بهذه الأهميَّةِ ومحفوفٍ بهذا القدرِ من المَخاطِرِ لا بدَّ من أن يَصدُرَ عن أعلى المَراجع فيها.
ليس لعاقل إلَّا أن يتوقَّع ردَّات فعل غير عاديَّة تجاه عمليَّة استثنائيَّة موجعةٍ بحجم طوفان الأقصى، والتي يبدو أنها حقَّقت نتائجَ فاقت ما كان متوقَّعاً منها، وهذا ما دفعنا للقول بأن قرار السير بها جاء متسرِّعاً وغيرِ مَحسوبِ النتائج، وكادت العمليَّة أن تصيب الكيان الإسرائيلي مقتلاً لو أنها دعَّمت بتدخُّلاتٍ عسكريَّةٍ خارجيَّة، ولكانت تسبَّبت في ضعضعةِ جيش الكيان وشتَّتت جهوده وأربكت قادته العسكريين والسِّياسيين على حدٍّ سواء، ولدفعَت بالمُستوطنين إلى هجرةٍ مُعاكسةٍ حقيقيَّةٍ أي من الأراضي الفلسطينيَّةِ إلى حيث أتوا، ولو فعلوا ذلك لقلنا كان لهم شرف المحاولة.
ورُبَّ قائل يقول أن محور المُمانعةِ قد هيَّأ لهذه العمليَّةِ وللمَعركة المُتوقَّعة بحربٍ نفسِيَّةٍ استباقِيَّة، قامت على إطلاق شعار وحدة السَّاحات، والتَّهويلِ بتوازن الرعب، واقتراب نهاية الكيان الإسرائيلي، وأنه أنهى استعداداته البَشريَّة والتدريبيَّة واللوجستيَّة لمعركة تغيِّرُ المُعادلة القائمة، إلَّا أنه تبيَّن في ما بعد أن تحضيراته لم تكن على قدر الشِّعارات والتَّهديدات التي أطلقها ولا حتى المزاعم التي كان يوهم حلفائه بها، وإن استعد عسكريًّا فإنه بالتَّأكيد لم يكن مُحصَّناً مُخابراتيًّا؛ وربما يعزى ذلك لخطأ في المفاضلة ما بين إمكانيات المحور القتالية وقدرات العدو، ولجهله بما يحظى به العدو من دعم غربي غير محدود. بدوره العدو الإسرائيلي لم يكن بمنأى عن الأخطاء، إذ وقع أيضا في سوء تقدير قُدرات مُنظَّمة حماس بحيث كان غافلاً عما يحصلُ في أنفاقها وما تختزنه بداخلها من أسلحة وصواريخ ودراجات شراعيَّة وغيرها، ولتركيز جهوده على الاستعداد لحربٍ مفصليَّةٍ مع حزب الله، ورغم ذلك اتَّخذ العدو من طوفان الأقصى ذريعةً لإطلاق شرارة حربٍ واسعةِ النطاق من دون أسقف أو ضوابط جغرافيَّة، وها هو يسعى لتنفيذها على مراحل.
رغم الصَّدمة الإستخباراتيَّة التي مُني بها العدو بعمليَّة طوفان الأقصى تمكَّن رئيس وزرائه من تضليل القادة الغربيين وإقناعهم بأن كيانه يتعرَّض لحرب وجوديَّة تقودها إيران بمشاركةٍ كافَّةُ أذرعتها، الأمر الذي مكَّنه من استمالتهم إلى جانبه، ودفعَهم إلى مدهِ بالأسلحة المُتطوِّرة عبر جُسور بريَّة........
© اللواء
visit website