في لبنان لبنانان أي أن في لبنان خارجين وداخلين. وتتوزع القوى فيه على هذا الأساس طائفياً بلا شك إنما بكيفية غير متكافئة بين الكتل الطائفية بعضها مع بعض.
وسط هذا الاستقطاب الحاد وفي ظل حالة الجمود والمراوحة في إيجاد المخارج لما يغطس فيه البلد وأهله، ووسط التدخلات العديدة من كل حد وصوب بحثاً وإسهاماً في استكشاف المخارج، يلوح في الأفق صعوبات تنبئ بمرحلة طويلة ستمرّ قبل أن يتضح أي من الاحتمالين هو المرجح كمخرج: أهو البقاء مع شيء من الإصلاح أم نهاية عصر بالنسبة للكيان، والدخول في طور جديد تجزيئي بعد اكتمال تفتيت الكيان بصور نهائية، ثم الحديث عن كيانات وليُسمها من يشاء ما يحلو له من تسميات.
كل التطورات والمظاهر تفيد بأن مصير الكيان إلى احتضار. وتتطور في رحابه احتمالات قوية للانحراف نحو مغامرات أمنية بفعل عدم التكافؤ بين القوى الذي يدفع إلى اسوأ الاحتمالات ولنسمها أرحمها التشرذم.
ففي هذا الوضع تترافق دعوات إلى إقامة الحوار بانتظار عودة مبادرات الخارج الساعية إلى التوفيق بين الأطراف الداخلية المتنازعة، سلمياً حتى الآن، وفي مناسبات مختلفة إلى تحشيد كل الأطراف المعنية قواها للوصول إلى نوع من التكافؤ يؤمن للحوار فرص النجاح. ولكن إذا ما نظرنا إلى كل الأطراف وإلى ما تمثل من وزن في على الساحة هذا الحوار، ما يتضح بصورة جلية في ظل تحشيد القوى على اختلاف وجوهه دينياً وإعلامياً وسياسياً هو وجود عدم تكافؤ بين القوى الداعية والمدعوة والمعنية بالحوار وأن الأكثر "حماسة" للدعوة إليه والأكثر استعدادأً له هو الطرف الأكثر تماسكاً والأكثر تمثيلاً في موقعه التمثيلي الطوائفي على الساحة. وفي الضفة الأخرى من المدعوين للتحاور مجموعة من القوى أضعف تمثيلاً ضمن مواقعها الطوائفية وغير متماسكة فيما بينها قبالة الطرف الآخر، الأقوى، في التركيبة الطوائفية الشاملة.
وفي ظل هذه الدعوات، من هنا وهناك، لا أحد يقوى على طرح تصوره الأولي لمحتوى الحوار، ولا نرى سوى التعبيرات الإعلامية التعبوية وعمليات الشد العصبوي التي من شأنها كلها مجتمعة تأمين الحد الأدنى المطلوب من التوازن حتى يفضي الحوار إلى نتيجة. ولذلك فإن الرغبة في الحوار، في الحقيقة، تعبيراتها أقوى في الجهة الأقوى تأثيراً في ميزان القوى. والرغبة في الجهة المقابلة (وهي جهات لا شيء يدفعنا في الحقيقة إلى القول إن تآلفها يمكن أن يشكل طرفاً مكافئاً في الحوار). وبالتالي لن يكون الطرف الضعيف راغباً في الاستجابة للحوار لأنه لا يمتلك حتى الآن القدرة على حشد قوى متوازن مع الطرف المقابل في الداخل. لذلك لن يكون حواراً مجدياً ولن يكون هناك انتخابات رئاسية إذا كان المطلوب من الحوار التوصل إلى اتفاق على اسم الرئيس العتيد.
وإذا عدنا في الذاكرة إلى أوضاع سابقة شبيهة نتذكر عدوان 82 باعتباره الذي كان العامل الخارجي الكفيل بتعديل ميزان القوى في الداخل (في وجه فائض القوة آنذاك في جبهة القوى الفلسطينية- الوطنية اللبنانية) القابل لإنجاح أي حوار. وكان الاجتياح 82 هو هذا العامل. أما اليوم فما هو العامل مع ما يُعرف ويُقدَّر من تراجع إمكانية عودة تفعيل هذا العامل في ظل توازن الردع القائم بين العدو وقوى من جهة والمقاومة في الطرف اللبناني من الجهة المقابلة.
وباستبعاد تفعيل هذا العامل نفسه مجدداً، يصبح انتظار بلورة تدخل خارجي موحَّد متعذراً حصوله إلّا نتيجة التوافق الذي قد يعمل عليه إقليمياً ودولياً ولكنه غير بين أن أوانه قريب.
بل إن ما نلاحظه من المراوحة في الخروج من المأزق هو في مصلحة استمرار اللادولة.
يقال بانتظار أيلول، وحتى يعود الموفد الفرنسي، فلنمض إلى حوار، سيتم في ظل حالة فائض القوة الحاصل في الداخل لمصلحة طرف، وبالتالي لمصلحة تأثيره في في المبادرة الفرنسية المنتظرة وإن فشل الحوار ضمن شروط الأمر الواقع سيفضي ذلك إلى تعطيل هذه المبادرة التي هي متعثرة على كل حال حتى اليوم.
اللهم إلّا إذا دخلت ضمن تلك المبادرة أسباب تعكس توافقاً إقليمياً ودولياً يحدّ من تأثير عامل فائض القوة لأحد الأطراف في الداخل. إن ما يجعلنا متشككين في حصول إنضاج مثل هذا العامل هو الجبهة المفتوحة مع المعسكر الغربي حول حماية المقدسات الإسلامية واستنفار العالم الإسلامي ودعوته للوقوف في وجه العالم الغربي فضلاً عن مسألة استكمال طي موضوع الحرب والحصار في اليمن غير المنجز. واللافت أن مسألة النزاع في السودان ومؤخراً الإنقلاب في النيجر ليس واضحاً ما قد يكون مدى تأثيره أكان سلباً أم إيجاباً في تشكيل العامل المساعد خارجي المنتظر لحل الأزمة اللبنانية.
لنقل عن غش وخداع أنفسنا في شأن أي تغيير في الوضع بعد رحيل المايسترو رورو وليكن في بالكم أن الوضع في لبنان لن يتغيّر في ظل هذه الطبقة حتى لو رحل معظمهم. وإن الأربع سنوات الماضية كانت كافية بأن تنذر بحل. المرض أكبر بكثير مما بيتصوره العالم. "الحرامية" مرتاحون حيث هم وقابضون تماماً على كراسيهم لن يزحزحهم عنها غير الموت. ولكن يا للأسف لن يخلفهم إلّا الألعن. القدماء تعبوا نوعاً ما لإتمام تكديس الغنائم والسرقات أما الورثة فحاصلون على التركة بلا جهد وسيكونون أشرس من آبائهم في القبض عليها. تأملوا جيداُ نحن أمام مخاطر كبيرة لإمّحاء الكيان عن الخريطة.
البلد راح؟؟
البلد راح!!! صرخة يطلقها إنساننا اليوم بعدما شهده من تعقيد في أوضاعه وانهيار في بناه الكيانية. اليوم، بعد أن هجَرته الأموال بفعل الخوف تارة، أو هُجِّرت منه الأموال بفعل خطة مدروسة تارة أخرى، بناءً على تقديرات بأن البلد لم يعد يجدي نفعاً التوظيف فيه والرهان على نهوضه من الهوة التاريخية التي سقط فيها. والسقطة هذه إنما بمثابة علامة على انتهاء صلاحيته التاريخية بعدما استُهلكت كل مزايا الكيان التي استثمرها أهل السلطة والمال حتى آخر رمق، ولم يبق فيه من أسباب لاستمرار ضخ الحياة فيه سوى ما يسعى إليه الباقون في الحكم من اقتراض أموال من هنا وهناك ينفقونها على أجور العناصر المشكِّلة لهيكل دولة مترهل. ثرواتهم هربوها وهي في أمان بعهدة أسيادهم أما هم فباقون في الحكم أملاً منهم بأن يعوَّض عليهم إما بخلو وإما بتجديد وكالة مدعومة بأموال قد تتطلبها إعادة إحياء دور ووظيفة لهم وللبلد (مثل أمل أبليس في الجنة). البلد راح صحيح ولكن الأرض باقية وبعض أهله باقون زائد بعض الضيوف من الجوار. الذي راح هو الكيان، الهوية، الوظيفة، الدور. في ضوء مثل هكذا تشخيص الذي نعتقده واقعياً، لا نفهم أن يكون أصحاب الحكم فيه متشبثين بمد هيكل دولتهم الفاشلة أو في أحسن نعت لها دولة منتهية الصلاحية بأسباب البقاء. لماذا لا يزالون محتفظين بكثير من عناصر ما يسمى دولة؟ على سبيل المثال لماذا الاستمرار في الإنفاق على أجهزة مختلفة طالما أن هذه الأجهزة خرجت عن السكّة المرسومة لها ولم تعد تؤدي وظائفها، على غرار ما حل بالبلد نفسه الذي فقد وظيفته المعهودة حتى الأمس القريب. ليسمح لنا التشبيه كالتالي: كنا نمتلك سيارة أميركية الطراز باب أوّل كاديلاك مضى على السيارة عقود من الزمن ولا تزال تمثل هيكلاً جميلاً إنما هيكلاً يحيل إلى ماضٍ ولّى وأصحاب هذه السيارة أمام خيارات جديدة أحدث لامتلاك وسائل نقل أرضية وبحرية وجوية خاصة، ولكن نراهم متمسكين بسيارتهم القديمة الطراز باعتبارها تمثل، في البيئة التي ينتمون إليها داخلياً وخارجياً، تراثاً من العزّ. ولا يزالون رغم انعدام الفائدة الاستعمالية لها ينفقون عليها لصيانتها، فيما استعمالاتهم وحاجتهم الراهنة هي في جانب الوسائل الحديثة. وبالنسبة لهؤلاء الحكام وأصحاب القدرات المالية البلد لم يعد يلبي طموحاتهم ولا سيما أن الدولة لم تعد تعني لهم شيئاً سوى مصدر جاه. لقد انتقلت مجالات استثماراتهم مع أموالهم إلى مجالات وساحات أخرى مجزية أكثر وأمنة أكثر. الدولة باقية بالنسبة إليهم رمز وعلامة نفوذ وسطوة وتركوا وظائفها الأساسية الأخرى إلى بنى لا تزال تحت إمرتهم إنما تعمل بمنطق مافيوي متجاوزة أسقف القوانين المعهودة للدول التقليدية. جهودهم منصبّة الآن على إيجاد صيغة تجعلهم مقبولين من الهيئات الدولية. أي نوع دولة هم يسعون إلى طرحها بديلاً عن الدولة السالفة؟ إنهم أمام تحدي ابتكار صيغة جديدة تحيط بواقع قائم على الأرض بكل وجوهه.
الخلاصة في نظري لا حوار راهناً ولا رئاسة قريباً
فلننتظر البريكس وأوكرانيا
وبالتالي لا رئيس
تجربة عون لن تتكرر
وبسليمان فرنجية ستكون التجربة أسوأ على الداخل
الخلل بميزان القوى كتير كبير
القوي الحقيقي هو الذي يطرح من قوته المطلقة دائماً القدر العائد إلى وجود الآخر فيخخف من استعراضاته طالما أن الغاء الآخر هدف بعيد مناله وإلّا يكون قد تجاوز الخط الفاصل بين الحكمة والمغامرة.
فائض القوة لا يستولد حواراً
3
1
07.08.2023
في لبنان لبنانان أي أن في لبنان خارجين وداخلين. وتتوزع القوى فيه على هذا الأساس طائفياً بلا شك إنما بكيفية غير متكافئة بين الكتل الطائفية بعضها مع بعض.
وسط هذا الاستقطاب الحاد وفي ظل حالة الجمود والمراوحة في إيجاد المخارج لما يغطس فيه البلد وأهله، ووسط التدخلات العديدة من كل حد وصوب بحثاً وإسهاماً في استكشاف المخارج، يلوح في الأفق صعوبات تنبئ بمرحلة طويلة ستمرّ قبل أن يتضح أي من الاحتمالين هو المرجح كمخرج: أهو البقاء مع شيء من الإصلاح أم نهاية عصر بالنسبة للكيان، والدخول في طور جديد تجزيئي بعد اكتمال تفتيت الكيان بصور نهائية، ثم الحديث عن كيانات وليُسمها من يشاء ما يحلو له من تسميات.
كل التطورات والمظاهر تفيد بأن مصير الكيان إلى احتضار. وتتطور في رحابه احتمالات قوية للانحراف نحو مغامرات أمنية بفعل عدم التكافؤ بين القوى الذي يدفع إلى اسوأ الاحتمالات ولنسمها أرحمها التشرذم.
ففي هذا الوضع تترافق دعوات إلى إقامة الحوار بانتظار عودة مبادرات الخارج الساعية إلى التوفيق بين الأطراف الداخلية المتنازعة، سلمياً حتى الآن، وفي مناسبات مختلفة إلى تحشيد كل الأطراف المعنية قواها للوصول إلى نوع من التكافؤ يؤمن للحوار فرص النجاح. ولكن إذا ما نظرنا إلى كل الأطراف وإلى ما تمثل من وزن في على الساحة هذا الحوار، ما يتضح بصورة جلية في ظل تحشيد القوى على اختلاف وجوهه دينياً وإعلامياً وسياسياً هو وجود عدم تكافؤ بين القوى الداعية والمدعوة والمعنية بالحوار وأن الأكثر "حماسة" للدعوة إليه والأكثر استعدادأً له هو الطرف الأكثر تماسكاً والأكثر تمثيلاً في موقعه التمثيلي الطوائفي على الساحة. وفي الضفة الأخرى من المدعوين للتحاور مجموعة من القوى أضعف تمثيلاً ضمن مواقعها الطوائفية وغير متماسكة فيما بينها قبالة الطرف الآخر، الأقوى، في التركيبة الطوائفية الشاملة.
وفي ظل هذه الدعوات، من هنا وهناك، لا أحد يقوى على طرح تصوره الأولي لمحتوى الحوار، ولا نرى سوى التعبيرات الإعلامية التعبوية وعمليات الشد العصبوي التي من شأنها كلها مجتمعة تأمين الحد الأدنى المطلوب من التوازن حتى يفضي الحوار إلى........
© اللواء
visit website