"أطلبوا العلم ولو بالصين"، مقولة اختلف أهل العلم فيها بين من نسبها إلى النبي محمد وأنها حديث شريف مروي عنه وبين من ضعف المقولة، وإن أجمعوا على أهمية التبادل المعرفي بين الصين والعرب.
وإن كنا لن نغرق القارئ في تفاصيل الاختلاف حول الحديث، فالتطورات التي شهدناها منذ 10 مارس/ آذار 2023 والتي تتمثل في الإعلان من بكين عن توقيع اتفاق بين المملكة العربية السعودية وإيران يقضي باستئناف العلاقات الثنائية بين البلدين برعاية صينية، جعل العالم أمام مفاجأة من العيار الثقيل وصدمة لحلفاء البلدين الموقعين على الاتفاق في العاصمة الصينية، التي شهدت قبيل الإعلان عن الاتفاق جولة مفاوضات مكوكية أجراها الطرفان بعيداً عن الإعلام.
وقاد تلك المفاوضات من الجانب السعودي الدكتور مساعد بن محمد العيبان مستشار الأمن الوطني، صاحب الباع الطويل في إدارة الملفات الشائكة ويسجل له توصله إلى حلول ناجعة في كل ما أوكل له، فقد ساهم في عودة العلاقات بين قطر ودول مجلس التعاون الخليجي إلى سابق عهدها بعد سنوات من القطيعة، وهو الحاضر في معالجة أزمة اليمن، وهو نجل محمد العيبان أول رئيس لجهاز الاستخبارات السعودية، الذي لعب دور مركزي في ترسيم حدود المملكة العربية السعودية مع جيرانها،
أما من الجانب الإيراني فقد قاد التفاوض الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني الأدميرال علي شمخاني.
والجدير بالذكر أن الاتفاق الذي أعلن من بكين هو حصيلة خمس جولات تفاوضية استضافتها بغداد برعاية مباشرة من حكومة مصطفى الكاظمي، ناهيك عن جولات أخرى كانت بعيدة عن الإعلام منذ تولي محمد شياع السوداني رئاسة الوزراء في العراق، وأخرى عقدت في سلطنة عمان.
ويخلص الاتفاق الى استئناف العلاقات وإعادة فتح السفارتين بعد شهرين وفق ما جاء في الإعلان الرسمي، وقضى الاتفاق الموقع في الصين بتفعيل الاتفاقيات الأمنية السابقة الموقعة بين البلدين، وعدم التدخل في شؤون الداخلية.
الاتفاق السعودي الإيراني يشكل خطوة مهمة جداً من أجل طي صفحة الخلاف بين البلدين، ويؤسس مرحلة جديدة من العلاقات الثنائية سترخي بظلالها على المنطقة والعالم، فهو اتفاق بين القوتين الأهم في الإقليم، كما أنه سيساهم في تخفيف حالة الاستقطاب الدولي، وسيساعد على حلحلة الأزمات في كل من اليمن وسوريا ولبنان، ويؤسس الى مرحلة إقتصادية هامة، خصوصاً أن الصين هي الشريك التجاري الأول لكل من السعودية وإيران، وتربطها بهما "شراكة استراتيجية شاملة"، هذا ورأى مراقبون أن الولايات المتحدة قد تكون الخاسر الأكبر من الاتفاق الذي وصف بالزلزال السياسي الكبير.
فالاتفاق فرضته البراغماتية السياسية، خصوصاً أن ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، سبق له و أعرب عن أمله في أن "تؤدّي المحادثات مع إيران إلى نتائج ملموسة لبناء الثقة وإحياء العلاقات الثنائية"، وذلك في إطار تحقيقه لرؤيته الاستراتيجية في جعل المنطقة خالية من التوتر بما يعزز مكانة الرياض وقيادتها المنطقة العربية نحو الاستقرار والتنمية المستدامة، ويحقيق مصالح السعودية الجيوستراتيجية.
فالمملكة لطالما كانت صاحبة اليد الممدودة للخير لكل جيرانها وهذا ما وصل إليه النظام في إيران، ولذا كان فإن الاتفاق ضرورة لطهران كي تستطيع فك العزلة الدولية، التي أرهقت الشعب الايراني نتيجة سياسات النظام الايراني السابقة.
إذا الاتفاق السعودي الإيراني سيؤدي إلى حلحلة الملفات الساخنة في المنطقة، خصوصاً ان صدقت النوايا الإيرانية، ما سيؤدي إلى إنهاء الصراعات في كل من اليمن ولبنان وسوريا والعراق، ولعل من أولى نتائج الاتفاق سيكون نجاح المفاوضات المتعلقة بتبادل الأسرى بين الحوثيين والرياض، كما أن الاتفاق يؤشر إلى أننا نرسم خريطة اقليمية جديدة قائمة على تصفير المشاكل والخلافات والتأسيس للمستقبل، ويؤكد الدور المركزي للسعودية كونها حجر الزاوية في السياسة الدولية خصوصا وأنه يبدو أننا نتجه الى عالم متعدد الأقطاب سيكون للرياض كلمة الفصل في رسم معالمه.
الاتفاق السعودي الإيراني يرسم معالم المنطقة والعالم
47
0
27.03.2023
"أطلبوا العلم ولو بالصين"، مقولة اختلف أهل العلم فيها بين من نسبها إلى النبي محمد وأنها حديث شريف مروي عنه وبين من ضعف المقولة، وإن أجمعوا على أهمية التبادل المعرفي بين الصين والعرب.
وإن كنا لن نغرق القارئ في تفاصيل الاختلاف حول الحديث، فالتطورات التي شهدناها منذ 10 مارس/ آذار 2023 والتي تتمثل في الإعلان من بكين عن توقيع اتفاق بين المملكة العربية السعودية وإيران يقضي باستئناف العلاقات الثنائية بين البلدين برعاية صينية، جعل العالم أمام مفاجأة من العيار الثقيل وصدمة لحلفاء البلدين الموقعين على الاتفاق في العاصمة الصينية، التي شهدت قبيل الإعلان عن الاتفاق جولة مفاوضات مكوكية أجراها الطرفان بعيداً عن الإعلام.
وقاد تلك المفاوضات من الجانب السعودي الدكتور مساعد بن محمد العيبان مستشار الأمن الوطني، صاحب الباع الطويل في إدارة الملفات الشائكة ويسجل له توصله إلى حلول ناجعة في كل ما أوكل له، فقد ساهم في عودة العلاقات بين قطر........
© العين الإخبارية
visit website