يتعرّض لبنان في هذه المرحلة الحرجة من حياته الإستقلالية لعملية تحوّل من وطن سيادي إلى وطن تتقاذفه المصالح وتصادره مشاريع إقليمية ـ دولية بثوب لبناني داخلي لا يعترف بالسيادة الوطنية، إضافةً إلى تفاعلات النزاع القائم حاليًا بين جزء من الفلسطينيين وإسرائيل في قطاع غزّة. وبات مؤكدًا أنّ النزاعين الإقليمي ـ الدولي والفلسطيني ـ الإسرائيلي سينعكسان سلبًا على واقع الحياة السياسية اللبنانية وعلى السيادة الوطنيّة.

إنّ عودة الحديث عن ضرورة تطبيق القرار 1701، يأتي في ظل تشنُّج الأوضاع على الحدود الجنوبية والوضع المحلي والإقليمي والدولي يستلزم تأمين الشروط الفضلى لتطبيق هذا القرار، بعدما طال إنتظار تطبيق بنوده. والمطلوب حاليًا ترسيخ الوحدة الوطنية الصادقة على أسُسْ السيادة التامة والناجزة والتقدّم والإنفتاح والحياد، كما تعزيز الإلتزام بالقيم الديموقراطية والحرّية والسلام وحقوق الإنسان. وطي صفحة الخلافات والتناقضات الداخلية التي تبلغ ذروتها في مرحلة حرجة من تاريخ لبنان، والتي ستنعكس سلبًا عليه بسبب إنغماس بعض اللبنانيين في محاور إقليمية لا طاقة للبنان على تحمُّل تبعاتها.


ليس من باب المصادفة هذا الإهتمام بلبنان، لأنّه يمتاز عن سائر الدول المحيطة به بفرادة وتجربة حضارية إنسانية تجمع بين المسيحية والإسلام بتوازن وتعادل ومساواة دونما طغيان، من هنا ضرورة العمل على تطبيق هذا القرار، لأنّه يحمل طابعًا سلميًا يحمي الأراضي اللبنانية من أي إعتداء. إنّ مجلس الأمن عندما شرّع تطبيق القرار 1701 ترك ضمنًا مجالاً لاستخدام المادة 40 من ميثاق الأمم المتحدة، علمًا أنّ هذه المادة تدعو المتنازعين الى الأخذ بما يراه المجلس ضروريًا أو مُحسّنًا من تدابير مؤقتة، ولا تُخِّـل هذه التدابير المؤقتة بحقوق المتنازعين ومطالبهم أو بمركزهم.


والقرار 1701 أورد في الفقرة 16 منه، أنّ مجلس الأمن «يعرب عن اعتزامه النظر في قرار لاحق في إدخال مزيد من التحسينات على ولاية الـ UNIFIL واتخاذ خطوات أخرى للإسهام في تنفيذ وقف دائم لإطلاق النار وإيجاد حـل طويل الأجل». وبذلك يكون مجلس الأمن عبر القرار 1701 قد أنجز الخطوة الأولى، أي ما يُعرف بـ»التنبيه أو الإنذار» من مهمّاته، وإذا إضطر المجلس إلى إتخاذ أي إجراء يُعرف بـ Enforcement Measure في المستقبل ولو من أجل تطبيق الفقرة 16، فإنّ في إمكانه أن يفعل ذلك من دون أن يقدم للأمر بأي إنذار أو أي تنبيه جديد.


مضمون القرار 1701 له كثير من النقاط الإيجابية، منها حرص القرار على تأكيد وحدة لبنان الإقليمية واستقلاله السياسي ووحدته الوطنية ضمن حدوده المعترف بها دوليًا، تأكيد القرار للنقاط السبع التي أعلنها رئيس الوزراء اللبناني، ولا سيّما منها التي تؤكّد سلطة الحكومة اللبنانية السياسية والعسكرية على كل أراضيها وضروة انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي اللبنانية، والمقترحات التي قدّمها في صدد مزاع شبعا، تكليفه نشر قوات «اليونيفيل» بعد تعزيز عددها وعتادها ومهمّاتها مع الجيش اللبناني، تأكيده لاتفاق الطائف من جهة ولاتفاق الهدنة من جهة أخرى، دعوة المجتمع الدولي إلى اتخاذ خطوات فورية لمدّ الشعب اللبناني بالمساعدة المالية والإنسانية، تأكيد ضرورة تطبيق القرارين 1559 و1680 بكل أحكامهما، التأكيد أنّ حق الدفاع لهذه القوات الدولية عن نفسها يشمل أيضًا مقاومة محاولة منعها بالقوة من القيام بواجبها، التأكيد على أهمية وضرورة تحقيق سلام شامل وعادل ودائم في الشرق الأوسط.


قانونيًا، لقد دخل القرار 1701 من حيث طبيعته القانونية في نطاق التطبيق، وبالتالي فهو ذاتي الإلزام القانوني تحت طائلة الإجراءات الزاجرة التي لحظتها المادتان 41 و42 من الميثاق الأممي في حال المخالفة أو الانتهاك.


إنّ خلاص لبنان من هذه الأزمة السيادية يفترض تلاقي حسن النيات باحترام المواثيق الوطنية والدولية وفي طليعتها إتفاق الطائف، كما الحوار داخل المؤسسات لا في الشارع، والابتعاد عن المحاور الإقليمية واعتماد مبدأ الحياد مع تأكيد سلطة الدولة على كامل ترابها.

QOSHE - قراءة قانونية في القرار 1701 - بسام ضو
menu_open
Columnists Actual . Favourites . Archive
We use cookies to provide some features and experiences in QOSHE

More information  .  Close
Aa Aa Aa
- A +

قراءة قانونية في القرار 1701

6 0
16.12.2023

يتعرّض لبنان في هذه المرحلة الحرجة من حياته الإستقلالية لعملية تحوّل من وطن سيادي إلى وطن تتقاذفه المصالح وتصادره مشاريع إقليمية ـ دولية بثوب لبناني داخلي لا يعترف بالسيادة الوطنية، إضافةً إلى تفاعلات النزاع القائم حاليًا بين جزء من الفلسطينيين وإسرائيل في قطاع غزّة. وبات مؤكدًا أنّ النزاعين الإقليمي ـ الدولي والفلسطيني ـ الإسرائيلي سينعكسان سلبًا على واقع الحياة السياسية اللبنانية وعلى السيادة الوطنيّة.

إنّ عودة الحديث عن ضرورة تطبيق القرار 1701، يأتي في ظل تشنُّج الأوضاع على الحدود الجنوبية والوضع المحلي والإقليمي والدولي يستلزم تأمين الشروط الفضلى لتطبيق هذا القرار، بعدما طال إنتظار تطبيق بنوده. والمطلوب حاليًا ترسيخ الوحدة الوطنية الصادقة على أسُسْ السيادة التامة والناجزة والتقدّم والإنفتاح والحياد، كما تعزيز الإلتزام بالقيم الديموقراطية والحرّية والسلام وحقوق الإنسان. وطي صفحة الخلافات والتناقضات الداخلية........

© الجمهورية


Get it on Google Play