«سلام الحماقة أهو سلام؟
أتضع «الضباع» الحرب؟
لماذا يدرس المعلم جغرافية الموت؟
ماذا يحدث للسنونوات
التي تصل متأخرة الى المدرسة؟
أصحيح أنها توزّع عبر السماء
رسائل شفافّة؟»

بابلو نيرودا، شاعر تشيلي العظيم... يعتبر من أشهر الشعراء وأكثرهم تأثيرا في عصره. ولد في تشيلي، بقرية بارال في 12 يوليو عام 1904. ووفقاً للكاتب الروائي «غابرييل غارثيا ماركيز»، هو أحد أفضل شعراء القرن العشرين في جميع لغات العالم... كان ذا توجّه شيوعي، كما يعد من أبرز النشطاء السياسين... كان عضوًا بمجلس الشيوخ واللجنة المركزية للحزب الشيوعي التشيلي ومرشحاً سابقاً للرئاسة في بلاده... كتب عنه الناقد الأدبي (هارولد بلووم): «لا يمكن مقارنة أيّ من شعراء الغرب بهذا الشاعر الذي سبق عصره»... توفي في 23 أيلول عام 1973.
من أشهر دواوينه «عشرون قصيدة حب وأغنية يائسة» التي ترجمت غير مرة إلى اللغة العربية. «في هذه الليلة، أنا قادر على كتابة أكثر القصائد حزناً».. كتب سيرته الذاتية بعنوان «أشهد أنني قد عشت» التي ترجمت إلى العربية منذ سبعينات القرن الماضي. عندما أطاح الجنرال «بينوشيه» الحكومة الاشتراكية المُنتخبة ديمقراطياً في تشيلي وقتلوا الرئيس «سلفادور أليندي» هجمَ الجنود على بيت الشاعر، وعندما سألهم ماذا يريدون أجابوه بأنهم يبحثون عن السلاح فأجابهم بابلو نيرودا «انّ الشعر هو سلاحه الوحيد».
إحدى أكثر قصائده تساؤلًا هي قصيدة/كتاب «التساؤلات»... ليس صدفة، ربما، أن يكون الديوان الشعري الأخير لشاعر مثل بابلو نيرودا هو «كتاب التساؤلات»، بعد نحو خمسين عامًا من كتابة الشعر وممارسة العمل الثقافي والسياسي. فرغم أنّ هذا الشاعر عاش حياة مندفعة في «يقينيتها» النضالية وصلادة خياراتها الفكرية والسياسية، الا أنه ظل وفيًا لدهشة الشعر الأولى، وظل «تَشككه» مفتوحًا على احتمالات الجمال ومقترحات التساؤل حول الوجود الانساني.
قصيدة، أو «كتاب التساؤلات» لنيرودا، هو آخر ما خَطّه الشاعر التشيلياني الأشهر، حيث أنهى كتابة هذا الديوان قبل اشهر قليلة من رحيله، وتبرز فيه الروح الإنسانية العميقة في تأمل الظاهرات البشرية، والاصغاء إلى ما تقوله الاشياء عنّا لنا، وما نقوله نحن عن أنفسنا، بكامل تاريخنا الصراعي والفلسفي، وليس بعيدًا ايضاً عن رؤية نيرودا الأيديولوجية المضمرة في ثنايا جماليته الشعرية وعبقريته الفذة.
- أيُّ طائر أصفر يملأ عشّه بالليمون؟
• لم يعد بعد من طيور في سماء وأشجار غزة يا عزيزنا بابلو... هاجر منها مَن هاجر من الطيور وقُصف معظمها وتحولت الى رماد يتطاير من حولنا.. لم يبق منها سوى القليل التي تطير في أحلامنا فقط.. تطير بأجنحة من دم.. وأجنحة من نار..!
- من أين للربيع في فرنسا كلّ هذه الأوراق؟
• لم يعد للربيع من مكان في فلسطين منذ النكبة الاولى.. فما بالك يا صديقنا بابلو بالنكبة الثانية في البلاد التي تحفظ أشعارك وقصائدك عن ظهر قلب كما تحفظ قصائد شعرائها ابو سلمى ومحمود وسميح وتوفيق وعز الدين وتميم ومريد... عن ظهر قلب..!
- هل منْ شيء أشدّ حزناً من قطار يقف تحت المطر؟
• نعم يا صديقنا بابلو نيرودا الأرض حين تتوقف عن الدوران في قطاع غزة وتختفي الجهات الاربع.. من الشمال الى الجنوب.. ومن الغرب إلى الشرق.. حين تموت الكائنات تحت الأنقاض والركام.. وتزهر دماء الأطفال الفلسطينيين شقائق فلسطين!
- هل صحيح أن رغباتنا يجب أن تُروى بالندى؟
• لا يا صديقنا بابليتو.. بل، بالدم... اختفى الندى في غزة يا بابلو.. اختفت قطرات الماء التي تتكوّن في الليل وتتبخر في الصباح الباكر.. اختفى بخار الماء الذي يتحول إلى ماء سائل عن طريق ملامسته للأسطح الباردة وذلك بإشعاع حرارته، وإحداث التكثف... ولم تعد قطرات الندى تتساقط على أوراق نباتات الفلسطيني في الصباح أو على الأزهار أو على الأرض الفلسطينية المقدسة..!
- يتساءل الشاعر الكبير بابلو نيرودا لماذا تنتحر الأوراق عندما تشعر بالاصفرار؟
• لأنّ الأطفال في غزة يشيخون قبل الأوان.. لأن الأطفال يتحدثون دائماً عن الألعاب ويومهم الذي عاشوه في المدرسة وعن واجبهم المنزلي الذي أمرهم معلمهم بإنجازه وتقديمه في اليوم التالى، وغيرها من المواضيع التي يتحدث عنها الأطفال في أعمارهم وخبراتهم القصيرة في الحياة والخالية من أي تجارب ناضجة، لكن الأمر يختلف عند أطفال فلسطين الذين يشاهدون مجازر وأهوال جعلتهم يشيخون ويموتون قبل الأوان..!
- ماذا يقول الرماد العتيق حين يَمُرّ على النار؟
• يكذب الرماد العتيق على أطفال الشهيدين طارق عز الدين، وخليل البهتيمي، لأنهم لم يكونوا يعرفون أن ثمن لقائهم بآبائهم ولو لساعات في منزل العائلة، هو الموت ومغادرة الحياة إلى غير رجعة. كان هذا اللقاء هو آخر اللقاءات، قبل أن تمزق الصواريخ الإسرائيلية «الذكية» أجسادهم الصغيرة، بينما كانوا نياماً، ويحلمون بصباح جديد، واللهو بألعابهم التي دمرتها الصواريخ..!
- ما الذي يزعج البراكين فتنفث لهباً، برداً وغيظاً؟
• سيدة فلسطينية هي التي أزعجت البراكين.. «إيمان بشير» التي وصفت هذه الحرب بأنها «لا تشبه ما شهده القطاع من حروب سابقة». إيمان أم لثلاثة أطفال قامت خلال الحرب السابقة على غزة في أيار عام 2021 ببعض المحاولات الشخصية لمساعدة أطفالها نفسيًا للتعامل مع آثار الحرب، مثل قراءة القصص أثناء القصف والحصار، واذا كان القصف عاليًا تعمد إلى تشغيل مكبّرات الصوت ببعض أغاني الأطفال كي يعلو على صوت الصواريخ والانفجارات التي تشبه صوت انفجارات البراكين التي تنفث لهبًا وبردًا وغيظًا..!
- من أين للغيوم الرعدية أكياسها السوداء الملأى بالدموع؟
• من فلسطين.. لأن أطفال غزة بدون اب وبدون ام يمشون تائهين.. يمشون نازحين وحدهم تحت المطر والبرد والخوف والموت.. نازحين حفاة يمشون على الوحول والرمل والحجارة والزجاج والكائنات المنقرضة من وحشية القصف... يسيرون نحو موتهم.. يسيرون حفاة عراة نحو موتهم المجهول الآخر..!
- ماذا يقول عن شعري الذين لم يلمسوا دمي؟
• لم يعد الشعر والقصائد تنفع في حضرة الموت العظيم والغياب... في حضرة الدم الثقيل لشعب بأكمله... الدم الممتد على خارطة وطن دون حتى الإسعافات الأولية ورشفة الماء... وما تبقى من الأكفان المستوردة خصيصًا لأطفال الوطن المَنسي.. الوطن الموزّع في بلاد الشتات....!
- ماذا قال الياقوت في حضرة عصير الرمّان؟
• مسكين هذا الياقوت، يطلقون عليه تسميات عديدة في المناجم البعيدة والبلاد البعيدة... وأكثر الأسماء التي تخيفه في المناجم العميقة.. والبلاد العميقة كما يقول اسم «دم الحمام» لندرة لونه ونوعه كما يصفونه.. في حين «يبيعونه» بأسعار خيالية لمن يملكون المال.. ويسجن في خزائنهم المعتمة.. وقبورهم الموحشة.. والباردة إلى درجة التجمّد.. إلى ان تتقلده سيدة أرستقراطية بشكل مؤقت في مهرجانات الموت.. وذبح الحمام..!
- لماذا لا يبادر الخميس إلى الحضور بعد الجمعة؟
• لأنّ الزمان توقف في غزة الموت اليومي... لأنه توقف في غزة العمل على إحصاء عدد النساء والأطفال والشيوخ المدفونين تحت أنقاض ركام بيوتهم.. تحت أنقاض ركام مستشفياتهم.. تحت أنقاض ركام مدارسهم... وذكرياتهم... وأحلامهم... تحت انقاض ركام قبورهم... لأنه تحجّر وجه المكان.. وتحجّر وجه الزمان..!
- لماذا لا يدربون المروحيات على جني العسل من أشعة الشمس؟
• لأنهم لا يريدون لنا أن نحيا.. لأنهم لا يريدون لنا سوى الموت. تقول «منال سالم إنها تجلس مع أبنائها في الغرفة ويبدأون بترتيب الألعاب كي لا يركزوا في أصوات القصف». وتضيف: «إبني الأكبر «فارس» بعمر الثماني سنوات يذهب إلى الحمام كثيرًا وفي بعض الأحيان يتبوّل على نفسه، وذلك من الخوف الشديد. إنه يكره صوت الطائرات. أنتظر أن تهدأ الأمور قليلًا لكي أذهب إلى أخصائي نفسي لمعالجة أطفالي والخروج من هذه الحالة.. والخروج من هذا الموت البطيء»...!
- مَنْ هلّلَ لولادة اللون الأزرق؟
• لم يعد هناك في سماء غزة من لون أزرق أو أبيض نُهلّل له كما تقول سيدة فلسطينية بعدما اغتالوا كل الألوان... سيدة فلسطينية زوجة شهيد سقط في هجوم قبل عامين، كتبت منشورًا على “انستغرام”، معلقة على صورة نجلها وصديقه الطفل «علي عز الدين»، تقول: “هذا القمر صديق ابني «جمال» المحبب والمُقرّب، الجار ورفيق الفصل والمدرسة وصلوات الجمعة”، لكنّ السيدة يسرى كتبت أيضاً أنها لم تخبر نجلها بارتقاء صديقه، وقالت: “لا أعرف أبداً كيف سأخبره، لأن قلبًا بحجم قلبه الصغير لا يحتمل كل هذا الحزن.. كل هذا الخوف.. كل هذا الموت”...!
- لماذا تحزن الأرض يتساءل الشاعر الكبير بابلو نيرودا حينما يظهر البنفسج؟
• لأنّ البنفسج زهر المحبطين.. يقول شاعر فلسطبن محمود درويش: «لا تضعوا على قبري البنفسجَ ، فهو زهر المحبطين يُذكِّر الموتى بموت الحب قبل أوانه... وضعوا على التابوتِ سبع سنابلٍ خضراءَ إن وُجدت، وبعض شقائقِ النُعمان إن وُجدت»..!
- ما الزهرة التي تطير من عصفور إلى عصفور؟
• «زهرة عصفور الجنة».. الزهرة العصفور التي تنقل أطفال غزة القتلى الى السماء البعيدة حيث الله ينام.. زهرة عصفور الجنة التي يتم تلقيحها بواسطة طيور الشمس، حيث إنّ العصافير تقف على هذه الزهور وبالتالي تلتصق حبوب اللقاح بأقدامها وعند تنقل العصافير بين الأزهار تنتقل معها حبوب اللقاح... وينتقل معها اكبر عدد من جثامين الأطفال الفلسطينيين إلى السماء البعيدة البعيدة حيث طائرات الموت الإسرائيلية العدوة لا تستطيع الوصول اليها..!
- لمَ أمضينا كل هذا الزمن ننمو كي نفترق؟
• لا احد يستطيع إعطاءك يا بابلو جواباً مقنعاً سوى طفل من غزة عمره لا يتجاوز العشر سنوات كان يجلس في سيارة الإسعاف ويحمل على ظهره حقيبته المدرسية عندما سأله المسعف: شو بتعمل يا عمو.. ليش لابس شنطة المدرسة؟ يرد عليه الطفل ويقول: لا مَهو أنا حاطت فيها أشلاء أخوي الصغير!!!
- بالأمس سألت عيوني: متى يرى أحدنا الآخر؟
• تُجيب العيون الفلسطينية ردًا على تساؤلاتك بكل ثقة وبدون تردد: حين نحرر بلادنا فلسطين ونعود إليها ونقفز إلى حضنها الواسع.. ونلعب معها وتلعب معنا... وتنظر في عيوننا من الشوق والانتظار الذي طال.. وننظر في عيونها ونبكي ونضحك.. ونبكي ونضحك جميعًا بصوتٍ عال كي يسمعه العالم كله... بأذنيه التي لا تسمع.. ويراه بعيونه التي لا ترى..!
- لماذا أسير بلا عَجَلات وأطير من دون جناح أو ريش؟
• أسمع ماذا تقول الصحافية صافيناز اللوح في مجزرة الطحين المجبول بدماء ابناء قطاع غزة: جميع الإنزالات الجوية التي أسقطتها الطائرات في شمال القطاع والتي تحمل مساعدات هي 6 إنزالات فقط كل إنزال يحمل 8 صناديق بإجمالي 48 صندوقاً فقط. والله صندوق كامل بجميع محتوياته لا يكفي لعائلة واحدة، يكفي إذلالاً لشمال غزة.. بِكَفّي وجع.. بِكَفّي جوع.. وقهر بِكفّي إهانة... والله نساء كانت تركض كما الرجال خلف المساعدات للحصول على حليب لأطفالها... اتقوا الله وارحموا شمال غزة بِكَفّي يا عااالم...!
-أين الطفل الذي كنته، هل ما يزال في داخلي أم رحل؟ هل يعلم أنني ما أحببته قط؟ وأنه لم يحبّني أيضاً؟
• تخيل يا رفيق بابلو طفلة في الخامسة من عمرها تصرخ بأعلى صوتها وتنادي: «طَقّت روحي من هالعيشه طقت روحي.. خيمه خيمهخيمه... برد بردبرد... ملّيت من روحي ملّيت... شووووف.. شووووف.. شووووف...ملّينا من هل عتم ملّينا من هل عيشه... حِسّوا فينا يا أحي... حِسّوا فينا يا أحي... حسّوا فينا احنا.. حسّوا فينا احنا... طقّت روحي من هالعيشه طقّت روحي»...!
- كم أسبوعاً في اليوم، وكم سنةً في الشهر؟
• يستيقظ كل يوم صحفي من غزة اسمه «أنس الشريف» على صراخ الأطفال بسبب الجوع الذي أكل أجسادهم... ويستطرد قائلًا: نحن نتحمّل الجوع لكن الأطفال لا يستطيعون التحمل... ويضيف: صراخهم مزّق قلوبنا... حسبنا الله ونعم الوكيل..!
- من أسأل عمّا جئت أصنعه في هذه الدنيا؟
• يجيب احد الأطباء في غزة على إحدى تساؤلات نيرودا في رسالة خطية: «للنزوح إلى الجنة أفضل، لأنها خالية من ظلم هذا العالم ونفاقه وطغيانه... ليس فيها سفك للدماء ولا قتل ولا تجويع ولا حصار، وليس فيها تخادل ولا خذلان... ليس فيها «معبر رفح» وشاحنات المساعدات الكاذبة.. لا نبحث فيها عن قارورة ماء ولا كيس دقيق ولا جرة غاز... وحدها الجنة تليق بنا.. وعند الله تجتمع الخصوم...!
- أين لجّة البحر؟ لماذا لا تذهب الأمواج إليها؟
• لجّة البحر تجدها يا حبيبي بابلو في مكان عميق كثير الماء، متلاطم الأمواج: «كظلمات في بحر لُجي يغشاه موج من فوقه موج مِنْ فوقه سحاب»... في مكان عميق أحدثته انفجارات صواريخ الموت العميقة في غزة... في قبور الموت الجماعية العميقة في كل ركن من المدينة الواقفة على ركامها تنتظر الصباح... في قطاع معتقلات الموت العميقة في الحفر العميقة... في مدينة طائر الفينيق الغزاوية.. مدينة عنقاء الرماد التي تقوم من موتها مرارًا وتكرارًا... من العيون الفلسطينية التي تحدق في السماء..!
-أين تجد جرَساً يقرع في أحلامك؟
• ولماذا في أحلامنا؟.. عمرها سيارة الإسعاف لا تغفو في غزة الموت اليومي... صوت الإسعاف في غزة لا يتوقف في الحلم واليقظة وأحلامها... نُقلت طفلة فلسطينية في مركبة إسعاف، وهي بحالة صدمة كبيرة إلى أحد المشافي، لتنطق باكية “بدي بابا”، وهناك رد المسعف عليها “تخافيش يا عمو هيّو جاي (إنه قادم)”. هذه الطفلة الفلسطينية تبكي وتقول «بدي بابا».. لا تعلم أن والدها ووالدتها وشقيقها استشهدوا نتيجة القصف الإسرائيلي الوحشي الهمجي على مدينة الرخام الأحمر المخضب بالدماء...!
- من يوقظ الشمس حين تنام على فراشها الملتهب؟
• لا تريد طفلة مراهقة غزاوية بعمر الورد أن تخرج من البيت.. ولا أنا! لا أريد أن أموت خارج بيتنا تصرخ.. ولا أنا!.. فهي تشعر بأنّ الصواريخ تلاحق أي شخص يمشي في الشارع لأننا عشنا هذه اللحظات من قبل وهي تخاف من ذلك، وفي الليل تصيبها حالات الذعر الشديد من صوت الطائرات.. وتصرخ في نومها: متى تستيقظ الشمس من نومها؟!..
- اذا متّ ولم أنتبه فمن أسأل عن الساعة؟
• ليس عليك سوى ان تسأل أهل غزة العزة الدين اتفقوا فيما بينهم على مواجهة الساعة (الوقت).. ومواجهة الحياة.. ومواجهة الموت على النحو التالي: «أهالي القطاع أجمعوا على فكرة واحدة، ننام معاً كي نعيش معًا.. أو نموت معًا..!
- أين ينتهي قوس قزح؟ في روحك أم في الأفق؟
• أنظر هناك.. هناك.. هناك... إلى هناك... إلى ما هو أبعد من الأفق الذي نراه ولا نراه... أنظر هناك إلى هناك... أنظر إلى أبعد من روحك... إلى هناك.. إلى بنفسجة الشهيد... إلى أرض الشهداء والأنبياء... إلى هناك... هناك.... إلى فلسطين!
في وصفه لحبيبته ومدينته وبلاده كتبَ لهم نيرودا مثل أيّ شاعر يحب بلاده... أو مثل أي عاشق... مثل أي قتيل... أو مثل أي شهيد في تشيلي أو في فلسطين... أو في أي مكان آخر مقهور في هذا العالم: «أنا لا أحبك كوردة من ملح الزبرجد، وقرنفل نشّاب ينشر النار: كما نحب بعض الأشياء الغامضة إنما بين الظل والنفس، سراً، أحبك. أحبك كالنبتة التي لا تزهر التي تحمل في ذاتها، خبيئاً، ضوء هذه الأزهار، وبفضل حبك يعيش غامضاً في جسمي العطر الملموم الذي يفوح من الأرض. أحبك ولا أعرف كيف ولا حتى ولا أين، أحبك بلا مواربة، بلا كبرياء، بلا مشاكل: أحبك هكذا، ولا أعرف طريقة أخرى للحب، أحبك هكذا، بدون أن أكون، بدون أن تكوني قريباً لدرجة أنّ يدك على صدري هي يدي وقريباً لدرجة أنّ عينيك تغمضان حين أنام».

QOSHE - تساؤلات بابلو نيرودا... وأجوبة فلسطينية؟؟؟ - محمود القيسي
menu_open
Columnists Actual . Favourites . Archive
We use cookies to provide some features and experiences in QOSHE

More information  .  Close
Aa Aa Aa
- A +

تساؤلات بابلو نيرودا... وأجوبة فلسطينية؟؟؟

3 0
04.03.2024

«سلام الحماقة أهو سلام؟
أتضع «الضباع» الحرب؟
لماذا يدرس المعلم جغرافية الموت؟
ماذا يحدث للسنونوات
التي تصل متأخرة الى المدرسة؟
أصحيح أنها توزّع عبر السماء
رسائل شفافّة؟»

بابلو نيرودا، شاعر تشيلي العظيم... يعتبر من أشهر الشعراء وأكثرهم تأثيرا في عصره. ولد في تشيلي، بقرية بارال في 12 يوليو عام 1904. ووفقاً للكاتب الروائي «غابرييل غارثيا ماركيز»، هو أحد أفضل شعراء القرن العشرين في جميع لغات العالم... كان ذا توجّه شيوعي، كما يعد من أبرز النشطاء السياسين... كان عضوًا بمجلس الشيوخ واللجنة المركزية للحزب الشيوعي التشيلي ومرشحاً سابقاً للرئاسة في بلاده... كتب عنه الناقد الأدبي (هارولد بلووم): «لا يمكن مقارنة أيّ من شعراء الغرب بهذا الشاعر الذي سبق عصره»... توفي في 23 أيلول عام 1973.
من أشهر دواوينه «عشرون قصيدة حب وأغنية يائسة» التي ترجمت غير مرة إلى اللغة العربية. «في هذه الليلة، أنا قادر على كتابة أكثر القصائد حزناً».. كتب سيرته الذاتية بعنوان «أشهد أنني قد عشت» التي ترجمت إلى العربية منذ سبعينات القرن الماضي. عندما أطاح الجنرال «بينوشيه» الحكومة الاشتراكية المُنتخبة ديمقراطياً في تشيلي وقتلوا الرئيس «سلفادور أليندي» هجمَ الجنود على بيت الشاعر، وعندما سألهم ماذا يريدون أجابوه بأنهم يبحثون عن السلاح فأجابهم بابلو نيرودا «انّ الشعر هو سلاحه الوحيد».
إحدى أكثر قصائده تساؤلًا هي قصيدة/كتاب «التساؤلات»... ليس صدفة، ربما، أن يكون الديوان الشعري الأخير لشاعر مثل بابلو نيرودا هو «كتاب التساؤلات»، بعد نحو خمسين عامًا من كتابة الشعر وممارسة العمل الثقافي والسياسي. فرغم أنّ هذا الشاعر عاش حياة مندفعة في «يقينيتها» النضالية وصلادة خياراتها الفكرية والسياسية، الا أنه ظل وفيًا لدهشة الشعر الأولى، وظل «تَشككه» مفتوحًا على احتمالات الجمال ومقترحات التساؤل حول الوجود الانساني.
قصيدة، أو «كتاب التساؤلات» لنيرودا، هو آخر ما خَطّه الشاعر التشيلياني الأشهر، حيث أنهى كتابة هذا الديوان قبل اشهر قليلة من رحيله، وتبرز فيه الروح الإنسانية العميقة في تأمل الظاهرات البشرية، والاصغاء إلى ما تقوله الاشياء عنّا لنا، وما نقوله نحن عن أنفسنا، بكامل تاريخنا الصراعي والفلسفي، وليس بعيدًا ايضاً عن رؤية نيرودا الأيديولوجية المضمرة في ثنايا جماليته الشعرية وعبقريته الفذة.
- أيُّ طائر أصفر يملأ عشّه بالليمون؟
• لم يعد بعد من طيور في سماء وأشجار غزة يا عزيزنا بابلو... هاجر منها مَن هاجر من الطيور وقُصف معظمها وتحولت الى رماد يتطاير من حولنا.. لم يبق منها سوى القليل التي تطير في أحلامنا فقط.. تطير بأجنحة من دم.. وأجنحة من نار..!
- من أين للربيع في فرنسا كلّ هذه الأوراق؟
• لم يعد للربيع من مكان في فلسطين منذ النكبة الاولى.. فما بالك يا صديقنا بابلو بالنكبة الثانية في البلاد التي تحفظ أشعارك وقصائدك عن ظهر قلب كما تحفظ قصائد شعرائها ابو سلمى ومحمود وسميح وتوفيق وعز الدين وتميم ومريد... عن ظهر قلب..!
- هل منْ شيء أشدّ حزناً من قطار يقف تحت المطر؟
• نعم يا صديقنا بابلو نيرودا الأرض حين تتوقف عن الدوران في قطاع غزة وتختفي الجهات الاربع.. من الشمال الى الجنوب.. ومن الغرب إلى الشرق.. حين تموت الكائنات تحت الأنقاض والركام.. وتزهر دماء الأطفال الفلسطينيين شقائق فلسطين!
- هل صحيح أن رغباتنا يجب أن تُروى بالندى؟
• لا يا صديقنا بابليتو.. بل، بالدم... اختفى الندى في غزة يا بابلو.. اختفت قطرات الماء التي تتكوّن في الليل وتتبخر في الصباح الباكر.. اختفى بخار الماء الذي يتحول إلى ماء سائل عن طريق ملامسته للأسطح الباردة وذلك بإشعاع حرارته، وإحداث التكثف... ولم تعد قطرات الندى تتساقط على أوراق نباتات الفلسطيني في........

© الجمهورية


Get it on Google Play