كنّا قد كتبنا مقالاً على صفحات «الجمهورية» تحت عنوان «مَن يراقب المراقب؟»، حيث اعتبرنا انّ مفهوم تعيين جهات رقابية للحرص على انتظام الامور أثبت فشله عبر التجارب المتكررة ونحتاج الى طريقة فعالة تؤمّن الرقابة من دون الدخول في زواريب البيروقراطية والضغوط السياسية والتزلّم.

وقد لفتنا الكتاب الذي وَجّهه مجموعة من النواب منها النائبان مارك ضو وميشال الدويهي وغيرهما للحكومة حول تقييم أوضاع المصارف وقد كان السؤال كالآتي: «هل قامت الحكومة بطلب المعلومات المتعلقة بتقييم وضع المصارف من لجنة الرقابة على المصارف؟ وهل حصلت عليها؟ وفي حال حصلت عليها، هل لدى الحكومة تصوّر حول آلية استرداد الودائع والمدة الزمنية المتوقعة لذلك؟».
وهنا السؤال الذي يتبادَر إلينا أولاً: هل لجنة الرقابة على المصارف مؤهلة اليوم للقيام بتقييم كهذا، وألا تتحمّل هذه اللجنة اي مسؤولية عن الفضيحة المالية التي ضربت البلد؟ ألم يكن من واجبها خلال السنوات الماضية أن تستشرِف الأزمة وتحذّر منها وتمارس وظيفتها بالسيطرة على الممارسات الاحتيالية التي نفذتها المصارف بالتعاون مع المصرف المركزي؟ الجواب واضح.
بالاضافة الى لجنة الرقابة على المصارف (وكلفتها عالية جداً) هناك جهات رقابية عدة، مثل مفوض الحكومة لدى المصرف المركزي وغيره، والمراقبين في الوزارات، كما اننا استعَنّا بشركات عالمية للتدقيق في حسابات المصرف المركزي ودَفعنا مبالغ على مدى سنوات، وحتى اننا استعنّا بشركات بعد الازمة للوصول الى ارقام صحيحة، كل ذلك لم يؤد الى نتيجة، مبالغ مهدورة والارقام ما تزال غامضة.
هذا أبلغَ دليل الى انه مهما تراكمت مستويات الرقابة وتعددت، لن تؤدي الى ضبط الامور من هدر وسرقة وتجاوزات عدة، بل هي باب لزيادة الهدر والغموض واضاعة المسؤوليات.
من هنا مطالبتنا الدائمة بأن لا خلاص للبنان الا بالشفافية المطلقة والبيانات المفتوحة، فهي وسيلة لا تخضع لسيطرة احد، بل تكون البيانات تلقائياً مفتوحة لمن يريد التحقق والاطلاع، وهي وسيلة لا تكلّف نفقات.
وبالطبع أتى جواب الحكومة ولجنة الرقابة على المصارف مبهماً وعامّاً ولا يطاول كافة التفاصيل ولا يقدّم صورة حقيقية عن واقع المصارف كلّ على حدة. وهذا متوقّع لأنهم لا يريدون تقديم الحقائق الكاملة لأنّ الجميع سيتورّط في حال ظهرت الحقيقة، وبالتالي يعتمدون طريقة التمييع والمعلومات المنقوصة.
وعلى رغم من انّ الخطوة التي قام بها النواب جيدة الا اننا كنا نتمنى ان يتبنّوا الاسئلة التي نوجهها دائماً للمصارف، فالتقييم الحقيقي يكون كالآتي:
ـ كل مصرف عليه ان يعلن: كم كانت قيمة الودائع في ذمته يوم 17 تشرين 2019؟
ـ ما هو القسم من هذه الودائع الذي كان في ذمّة المصرف ولكنه مودع في المصرف المركزي؟
ـ ما هو سبب وجود هذا القسم من الودائع في المصرف المركزي؟ وهل هناك قانون يسمح بذلك؟ كم أرجَع المصرف المركزي منها وفي أي تواريخ؟ كم أعطاه المصرف المركزي من فوائد؟ كم تقلّصت الودائع منذ التاريخ المشؤوم حتى اليوم، عن طريق الوسائل الملتوية التي اعتمدتها المصارف خلال هذه الفترة وبمباركة المصرف المركزي؟.
هذه المعلومات يجب ان تتمّ مقارنتها بالحسابات الموجودة في المصرف المركزي للتأكّد من مطابقتها.
الاجابة عن هذه الاسئلة لا تزال محجوبة، ولا نية في الافصاح عنها لدى الجميع، السلطة والمصرف المركزي ولجنة الرقابة على المصارف ومن المصارف أنفسهم.
ولكن لا يتوقعوا انّ التمييع والمماطلة سيُلغي الحقيقة، وليتذكّروا الاهوال التي ارتكبوها في حق الناس، وأقول لمَن نهبوا البلد ان ينظروا الى نتيجة أفعالهم، هناك عائلات تجوع، وشبّان فقدوا آمالهم وينتظرون الهجرة، وناس تعبوا وشَقوا وخسروا جنى أعمارهم، وبلد مدمّر ومُستَنزف. هذه هي نتيجة افعالكم الواضحة والتي بات الناس يعرفونها جيداً.
قد لا تنجح عدالة الارض في محاسبتكم، كما قد لا يتمكّن مَن أفقرتموهم وجَوّعتموهم من أن ينالوا منكم. ولكن هل ستستطيعون النوم ليلاً؟
ألا تتذكرون الآلاف الذين دمّرتم حياتهم عندما تضعون رؤوسكم على المخدة؟هل ستهربون من عدالة السماء؟ وماذا ستقولون حين تواجهون الخالق للمحاسبة؟

QOSHE - لا حل إلاّ بالشفافية المطلقة - فادي عبود
menu_open
Columnists Actual . Favourites . Archive
We use cookies to provide some features and experiences in QOSHE

More information  .  Close
Aa Aa Aa
- A +

لا حل إلاّ بالشفافية المطلقة

9 0
27.01.2024

كنّا قد كتبنا مقالاً على صفحات «الجمهورية» تحت عنوان «مَن يراقب المراقب؟»، حيث اعتبرنا انّ مفهوم تعيين جهات رقابية للحرص على انتظام الامور أثبت فشله عبر التجارب المتكررة ونحتاج الى طريقة فعالة تؤمّن الرقابة من دون الدخول في زواريب البيروقراطية والضغوط السياسية والتزلّم.

وقد لفتنا الكتاب الذي وَجّهه مجموعة من النواب منها النائبان مارك ضو وميشال الدويهي وغيرهما للحكومة حول تقييم أوضاع المصارف وقد كان السؤال كالآتي: «هل قامت الحكومة بطلب المعلومات المتعلقة بتقييم وضع المصارف من لجنة الرقابة على المصارف؟ وهل حصلت عليها؟ وفي حال حصلت عليها، هل لدى الحكومة تصوّر حول آلية استرداد الودائع والمدة الزمنية المتوقعة لذلك؟».
وهنا السؤال الذي يتبادَر إلينا أولاً: هل لجنة الرقابة على المصارف مؤهلة اليوم للقيام بتقييم كهذا، وألا تتحمّل هذه اللجنة اي مسؤولية عن الفضيحة المالية التي ضربت البلد؟ ألم يكن من واجبها خلال السنوات الماضية أن تستشرِف الأزمة........

© الجمهورية


Get it on Google Play