بلد مكسور اقتصادياً، متعثر انتاجياً، صادراته في تراجع مستمر، ولكنه يختار ان ينفّذ اضراباً عاماً مطالباً بإيقاف الحرب على غزة، فيقفل كل مؤسساته الرسمية والخاصة والمصارف والمرفأ ويوقف طلابه عن العلم.

ل يعتقد احد انّ الحكومة الاسرائيلية ستتوقف عن الحرب في غزة حرصاً على تعليم طلابنا وللمحافظة على اقتصادنا؟... هل سنؤثر على اي قضية اقليمية او عالمية عبر إيقاف عجلة الإنتاج وإيقاف اطفالنا عن العلم؟ هذا لا يخدم الاّ اعداء الوطن. هل ستتوقف الحرب في غزة او في اوكرانيا؟ هل ستُحلّ مشكلة السودان او تتوقف المجاعات اذا اوقف طلابنا تعليمهم وجلسوا في بيوتهم، وتوقفت الإدارات العامة والمرافق عن العمل؟


هل تأثر احد بإضرابنا الاّ نحن أنفسنا؟ هل انتبه احدهم الى اننا توقفنا عن التعلم والعمل؟
النتائج المباشرة كانت ضرراً لنا لا أكثر. وإذا انتبه احد خصوصاً مِن الذين يريدون الشرّ لنا، يمكن ان يخطر بباله ان يرسل عملاء يجعلوننا نتوقف عن العمل في كل مناسبة، وهذا سيساهم في تدميرنا.


علماً انّ هناك وسائل فعّالة في دعم اي قضية مثل تخصيص عائدات ساعات الانتاج من اجل الضحايا، او تعزيز النشاط الإعلامي وتعليم اطفالنا في المدارس والجامعات ممارسة التأثير الاعلامي عبر منصّات التواصل الاجتماعي وطريقة إيصال الافكار. واذا كانت التظاهرات فاعلة، فالافضل ان تُقام في عطلة نهاية الاسبوع او العطل الرسمية (والتي من الافضل ان يُعاد النظر فيها لكثرتها) لتأمين افضل مشاركة.


اما استمرار فكرة التعطيل عند كل مناسبة، او دعم قضية، او هزيمة او انتصار، فهو استمرار لعقلية الكسل بدل الانتاج، عقلية السلبية بدل الايجابية، وهو هدم لعقلية العمل وتعميم عقلية دفن الرؤوس في الرمال. فكيف نقتنع انّ الجلوس في المنزل هو أداء يخدم اي قضية؟ وهل نحن فعلاً مقتنعون بأنّ العدو سيتأثر لتوقفنا عن العمل وينصاع لما نريده، فتوقفنا عن العمل هو مطلب اعدائنا في الدرجة الاولى، ولسخرية القدر اننا نحقق ما يريدونه.


يقدّر البعض انّ اضراب يوم كامل يكلّف لبنان ما يوازي 120 مليون دولار، فهل نملك ترف تكبّد هذه الخسائر؟ وهل يُعقل مثلاً في مجتمع منتج أن يتمّ التوقف عن تخليص البضائع في مرفأ بيروت والمطار استيراداً وتصديراً، وهو من المفروض أن يعمل 365 يوماً 24/24 ساعة، وخصوصاً أنّ هذا النشاط هو الشريان الأساسي للبلد، وعمله يؤثر تأثيراً كبيراً على كلّ القطاعات الإنتاجية.
لا نتحمّل أن نخسر بعد اليوم أيّ دقيقة لتحسين الإنتاجية في مجتمعنا، لا نتحمّل ان نزرع ثقافة الكسل، بمجرد النظر الى اقتصادنا المتعثر اليوم يجب ان نتعلّم ان العمل هو ثقافة الحياة.


كما لا نتحمّل ان نستمر من دون شفافية مطلقة وبيانات مفتوحة، لن نملّ من تكرار هذا المطلب حتى تحقيقه، لأنّ لا امل في إنعاش لبنان اقتصادياً واجتماعياً من دون ان تكون الشفافية الخطوة الاولى في خريطة إصلاح الدولة.

QOSHE - بتوقفنا عن العلم والعمل حلّينا مشكلات المنطقة والعالم! - فادي عبود
menu_open
Columnists Actual . Favourites . Archive
We use cookies to provide some features and experiences in QOSHE

More information  .  Close
Aa Aa Aa
- A +

بتوقفنا عن العلم والعمل حلّينا مشكلات المنطقة والعالم!

6 0
16.12.2023

بلد مكسور اقتصادياً، متعثر انتاجياً، صادراته في تراجع مستمر، ولكنه يختار ان ينفّذ اضراباً عاماً مطالباً بإيقاف الحرب على غزة، فيقفل كل مؤسساته الرسمية والخاصة والمصارف والمرفأ ويوقف طلابه عن العلم.

ل يعتقد احد انّ الحكومة الاسرائيلية ستتوقف عن الحرب في غزة حرصاً على تعليم طلابنا وللمحافظة على اقتصادنا؟... هل سنؤثر على اي قضية اقليمية او عالمية عبر إيقاف عجلة الإنتاج وإيقاف اطفالنا عن العلم؟ هذا لا يخدم الاّ اعداء الوطن. هل ستتوقف الحرب في غزة او في اوكرانيا؟ هل ستُحلّ مشكلة السودان او تتوقف المجاعات اذا اوقف طلابنا تعليمهم وجلسوا في بيوتهم، وتوقفت الإدارات العامة والمرافق عن........

© الجمهورية


Get it on Google Play