قدمت دولة الإمارات العربية المتحدة نموذجا جديدا وفريدا في تجسيد معاني المسؤولية الإنسانية والحضارية على المستوى العالمي.

ليس من حيث الإطار والشكل فحسب، بل في الالتزام أيضا بجوهر المسؤولية التي تنكبتها، وأخذتها على عاتقها من ناحية، وفي الإرادة المخلصة والواعية لدورها في القطاعات العلمية والإنسانية الرائدة من ناحية أخرى.

COP28 كان التحدي الذي تحوّل إلى فرصة بين يدي أهل العزم من قادة وأهل الإمارات، فأَرْسوا معادلة محكمة الصياغة انطلقت من تحديد متقن لهدف اللقاء العالمي على أرضها، لخصه الدكتور سلطان الجابر وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة، رئيس مؤتمر الأطراف COP28، بقوله "يجب علينا أن نحقق نتيجة تحترم العلم، وتبقي على هدف الـ1.5 درجة مئوية لحرارة الكوكب في متناول اليد، وهذا الهدف يتحقق عندما نفكر بعقلية مختلفة ونتحلى بالمرونة".

وضوح الأهداف يذلل كثيرا من العقبات، فكيف إذا كان مسار الوصول إلى الأهداف قد تم تحديده بأطر علمية رصينة مستندة إلى كل ما راكمته العلوم من تجارب وما عززته الإبداعات الإنسانية من براهين.

الاهتمام العالمي بمجريات ووقائع ونتائج مؤتمر الأمم المتحدة الـ28 للتغير المناخي COP28 الذي استضافته دولة الإمارات العربية المتحدة وتم تتويجه بـ"اتفاق الإمارات"، لم يسبق أن ظهر خلال جميع النسخ الدولية السابقة من هذا الملتقى.

وإذا كان هذا الاهتمام يعكس عددا من الحقائق الضاغطة على صناع القرار في مختلف دول العالم وعلى خبراء وعلماء المناخ، فلا بد من التوقف أيضا عند حقيقة مهمة أسهمت في إنتاج صيغة "اتفاق الإمارات" بإجماع عالمي لأول مرة في تاريخ مؤتمرات التصدي للتدهور المناخي، إنها حقيقة التخطيط العلمي الرياضي من قبل الجانب الإماراتي، خصوصا بعد التحذيرات الواضحة والمتزايدة من مغبة الانزلاق إلى خطر تجاهل التغيرات المناخية على الطبيعة وعلى الإنسان، والتنبيه إلى أن إمكانية الحد من المخاطر لا تزال في متناول يد بني البشر شرط توفر الإرادة المخلصة لدى الجميع على قاعدة المصلحة المشتركة، فلا فرق بين شمال وجنوب أو بين شرق وغرب.

أوصت مؤتمرات المناخ الدولية السابقة بضرورة العمل على التصدي لظاهرة التغير المناخي لكنها لم تجد طريقا إلى التنفيذ لأسباب مختلفة بعضها سياسي، وبعضها الآخر سببه عدم استعداد عدد من الدول للالتزام بالتوصيات.

وقد بدا جليا إدراك الدولة المضيفة لمجمل الحيثيات والعقبات والتوجهات التي تعيق الوصول إلى صيغ وآليات تنفيذية لكل ما أسفرت عنه المؤتمرات المناخية السابقة من توصيات وتعهدات، فأعدّت أجندة عمل محكمة، امتزج فيها المنطق العلمي بالتخطيط العقلي الرصين للدلالة على الطرق الناجعة للوصول إلى الهدف الأسمى من خلال إرادة جماعية.

كل ذلك أضفى على COP28 خصوصيةً ، بل بصمة إماراتية نقلت النقاشات والجدالات النظرية بين الوفود التي مثلت 198 دولة، إلى حيز التأسيس الفعلي لمنصات متابعة معنية بتنفيذ التوصيات، فكان تشكيل "مجلس صناع التغيير" ، وكان إقرار صندوق الخسائر والأضرار وما يعنيه من فوائد للدول الفقيرة، رافقه حشد مليارات الدولارات من الدول الغنية.

إنه "مؤتمر للعالم والناس"، بهذا التكثيف البليغ وصفت المديرة العالمية للصحة والرعاية في اتحاد جمعيات الصليب والهلال الأحمر بيترا خوري COP28، بعد أن ناقش هموم الناس في الصحة والمياه والطعام والسلام ، فاكتسب فرادته من خلال تفوقه في "وضع مشاكل العالم أمام مراكز القرار".

أثبتت دولة الإمارات في إدارتها لمجمل التناقضات بين الدول المشاركة ورؤاها المتعارضة بشأن تفاصيل الاتفاق النهائي لمؤتمر الأطراف أهمية تلازم مسؤوليات الدول، قادة وعلماء وخبراء، مع الفرضيات العلمية ومتطلباتها إذا ما أريد للأهداف أن تتحقق، وأن توضع في خدمة الإنسان أولاً، وهو ما عبرت عنه عمليا المخاضات العسيرة التي مرت بها الحوارات بين الوفود تحت ضغط الحاجة لتبنّي قرارات متوازنة تأخذ بعين الاعتبار مصالح الأطراف جميعها، وتكون في الآن ذاته قابلة للتنفيذ على أرض الواقع ، انسجاما مع بنك الأهداف الطموحة التي وضعتها دولة الإمارات برؤية واقعية، وبروح عالية من المسؤولية، فكان لها ما أرادت.


QOSHE - اتفاق الإمارات.. العلم والعقل في خدمة الأهداف - عبد الحميد توفيق
menu_open
Columnists Actual . Favourites . Archive
We use cookies to provide some features and experiences in QOSHE

More information  .  Close
Aa Aa Aa
- A +

اتفاق الإمارات.. العلم والعقل في خدمة الأهداف

18 0
14.12.2023

قدمت دولة الإمارات العربية المتحدة نموذجا جديدا وفريدا في تجسيد معاني المسؤولية الإنسانية والحضارية على المستوى العالمي.

ليس من حيث الإطار والشكل فحسب، بل في الالتزام أيضا بجوهر المسؤولية التي تنكبتها، وأخذتها على عاتقها من ناحية، وفي الإرادة المخلصة والواعية لدورها في القطاعات العلمية والإنسانية الرائدة من ناحية أخرى.

COP28 كان التحدي الذي تحوّل إلى فرصة بين يدي أهل العزم من قادة وأهل الإمارات، فأَرْسوا معادلة محكمة الصياغة انطلقت من تحديد متقن لهدف اللقاء العالمي على أرضها، لخصه الدكتور سلطان الجابر وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة، رئيس مؤتمر الأطراف COP28، بقوله "يجب علينا أن نحقق نتيجة تحترم العلم، وتبقي على هدف الـ1.5 درجة مئوية لحرارة الكوكب في متناول اليد، وهذا الهدف يتحقق عندما نفكر بعقلية مختلفة ونتحلى بالمرونة".

وضوح الأهداف يذلل كثيرا من العقبات، فكيف إذا كان مسار الوصول إلى الأهداف قد تم تحديده بأطر علمية رصينة مستندة إلى كل........

© العين الإخبارية


Get it on Google Play